للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

سيما بنو قريظة الذين غدروا بالعهد ليطعنوا المسلمين من الخلف ولم يكتف المنافقون بمهمة التثبيط حتى قال قائلهم (١): كان محمد يعدنا أن نأكل كنوز كسرى وقيصر، وأحدنا لا يقدر على أن يذهب إلى الغائط.

لم يكتفوا بهذا بل قاموا بدور الانسحاب مرة أخرى، والمعركة في أحد غير المعركة داخل المدينة، فإن كانوا قد انسحبوا من الميدان في أحد فكيف ينسحبون وهم في دور الدفاع عن كيان بلدهم، ومرة أخرى انتحلوا عذرا واهيا زاعمين أن بيوتهم عورة مكشوفة معرضة للخطر، عليهم أن يتولوا حراستها والدفاع عنها، علما أن الخطر لم يكن كامنا على بيوتهم بل على الجبهة التي وقف أمامها المسلمون، ولكن خسة الطبع زينت لهم هذا الغدر وسوغته فتركوا الميدان: هُنالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزالًا شَدِيداً (١١) وَإِذْ يَقُولُ الْمُنافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ ما وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُوراً (١٢) وَإِذْ قالَتْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ يا أَهْلَ يَثْرِبَ لا مُقامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِنْهُمُ النَّبِيَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنا عَوْرَةٌ وَما هِيَ بِعَوْرَةٍ إِنْ يُرِيدُونَ إِلَّا فِراراً (١٣) [الأحزاب: ١١ - ١٣].

ب- ويتكرر موقف التخاذل والنذالة والانسحاب في غزوة تبوك- غزوة العسرة- بعد أن يحاولوا تثبيط المسلمين عن الخروج للجهاد، وجهز رأسهم جيشا من المنافقين واليهود ينافس به جيش المسلمين، حتى كان يقال ليس عسكر ابن أبيّ بأقل العسكرين، ثم أعلن حرب الأعصاب حين قرر التخلف والانسحاب وهو يقول: يغزو محمد بني الأصفر- مع جهد الحال والحر والبلد البعيد إلى ما لا قبل له به- يحسب محمد أن قتال بني الأصفر اللعب، والله لكأني أنظر إلى أصحابه غدا مقرنين في الحبال (٢).

هذا ديدنهم في الشدائد وعند الاستعداد للمعارك، وهو أن يفروا من الميدان، ويبررون هزيمتهم هذه بأتفه الأعذار، وانظر إلى عذر أحدهم (٣).


(١) هو متعب بن قشير، انظر «سيرة ابن هشام» ٣/ ٢٦٢.
(٢) انظر الروايات في «سيرة ابن هشام»، ٤/ ١٧٥ وما بعدها.
(٣) هو الجدّ بن قيس، ذكره ابن هشام: ٤/ ١٧٣.

<<  <   >  >>