للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقارنوا كل ذلك بما ورد عن العرب في أشعارهم وخطبهم وفصيح كلامهم في محافلهم، وأبرزوا مزايا القرآن الكريم على كل ذلك، نجد الخطابي يضيف بعدا جديدا إلى مفهوم النظم حيث يقول:

(وإنما يقوم الكلام بهذه الأشياء الثلاثة: لفظ حامل، ومعنى به قائم، ورباط لهما ناظم. وإذا تأملت القرآن وجدت هذه الأمور منه في غاية الشرف والفضيلة حتى لا ترى شيئا من الألفاظ أفصح ولا أجزل ولا أعذب من ألفاظه، ولا ترى نظما أحسن تأليفا وأشد تلاؤما وتشاكلا من نظمه، وأما المعاني فلا خفاء على ذي عقل أنها هي التي تشهد لها العقول بالتقدم في أبوابها والترقي إلى أعلى درجات الفضل من نعوتها وصفاتها) (١).

والخطابي عند ما يطلق هذه الأوصاف العامة في النظم القرآني وألفاظه الفصيحة الجزلة ونظمه المتآلف المتلائم ومعانيه الفاضلة، لم يسق أمثلة تطبيقية من خلال نصوص آي الذكر الحكيم ليلمسنا هذه الجوانب لمس اليد ويضع أصابعنا على هذه الجوانب من النظم القرآني كما فعل الجرجاني الذي جاء بعده.

ولعل جانبا آخر تميّزت به نظرية الخطابي في الإعجاز وهو مزيتا القرآن الكريم التي قال عنها الخطابي: (صفتا الفخامة والعذوبة) يقول في ذلك:

( ... فحازت بلاغات القرآن من كل قسم من هذه الأقسام حصة، وأخذت من كل نوع من أنواعها شعبة (٢)، فانتظم لها بامتزاج هذه الأوصاف نمط من الكلام يجمع صفتي الفخامة والعذوبة، وهما على الانفراد في نعوتهما كالمتضادّين لأن العذوبة نتاج السهولة، والجزالة والمتانة في الكلام


(١) «بيان إعجاز القرآن» للخطابي، مطبوع ضمن ثلاث رسائل في إعجاز القرآن، ص ٢٧، بتحقيق محمد خلف الله، د. محمد زغلول سلام. ط دار المعارف.
(٢) يقصد الخطابي الكلام البليغ الذي قسمه إلى ثلاثة أقسام: (البليغ الرصيف الجزل، والفصيح القريب السهل، والجائز الطلق الرسل).

<<  <   >  >>