للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

١٠ - ومعنى عاشر: وهو: أنه سهّل سبيله، فهو خارج عن الوحشيّ المستكره، والغريب المستنكر، وعن الصنعة المتكلّفة. وجعله قريبا إلى الأفهام، يبادر معناه لفظه إلى القلب، ويسابق المغزى منه عبارته إلى النفس. وهو مع ذلك ممتنع المطلب، عسير المتناول، غير مطمع مع قربه في نفسه، ولا موهم مع دنوّه في موقعه أن يقدر عليه أو يظفر به.

فأما الانحطاط عن هذه الرتبة إلى رتبة الكلام المبتذل، والقول المسفسف، فليس يصحّ أن تقع فيه فصاحة أو بلاغة، فيطلب فيه الممتنع، أو يوضع فيه الإعجاز.

ولكن لو وضع في وحشيّ مستكره، أو غمر بوجوه الصنعة، وأطبق بأبواب التعسف والتكلف-: لكان لقائل أن يقول فيه ويعتذر، أو يعيب ويقرع.

ولكنه أوضح مناره، وقرّب منهاجه، وسهّل سبيله، وجعله في ذلك متشابها متماثلا، وبيّن مع ذلك إعجازهم فيه.

وقد علمت أن كلام فصحائهم وشعر بلغائهم لا ينفك من تصرف في غريب مستنكر، أو وحشيّ مستكره، ومعان مستبعدة. ثم عدولهم إلى كلام مبتذل وضيع لا يوجد دونه في الرتبة، ثم تحوّلهم إلى كلام معتدل بين الأمرين، متصرف بين المنزلتين.

فمن شاء أن يتحقق هذا نظر في قصيدة امرئ القيس:

قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل.

ونحن نذكر بعد هذا على التفصيل ما تتصرف إليه هذه القصيدة ونظائرها ومنزلتها من البلاغة، ونذكر وجه فوت نظم القرآن محلها، على وجه يؤخذ باليد، ويتناول من كثب، ويتصوّر في النفس كتصور الأشكال.

ليتبين ما ادعيناه من الفصاحة العجيبة للقرآن.

واعلم أن من قال من أصحابنا: إن الأحكام معللة بعلل موافقة

<<  <   >  >>