للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يقولون: إنَّ أول سبب لهذا المرض هو " الدفاع عن النفس " فأصحاب العيوب يتوقعون نقدا لهم من ناصح أمين، ويظنون هذا النصح هجوما، فيهرولون لأخذ زمام المبادرة، وتحويل الهجوم بهمز ولمز وغمز من وراء ظهر.

فأجرأ من ترى يغتاب ويعيب الناس هم أصحاب العيوب والذنوب فيعيرون الناس، وأصحاب الأخطاء ـ دائماً ـ يبحثون عن أخطاء الناس ويشيعون عنهم ما لا يستطاب، والأمر مشاهد لا يحتاج إلى فراسة، هذه الخصلة ملازمة لكل ذي لسان طويل.

قال السامع للمهزار: قد استدللت على كثرة عيوبك بما تكثر من عيب الناس؛ لأن الطالب للعيوب إنما يطلبها بقدر ما فيه منها.

قال بعض السلف: ما رأيت شيئا أحبط للأعمال، ولا أفسد للقلوب، ولا أسرع في هلاك العبد، ولا أدوم للأحزان، ولا أقرب للمقت، ولا ألزم لمحبة الرياء والعجب والرياسة: من قلة معرفة العبد لنفسه، وكثرة نظره في عيوب الناس.

اللهم ارزقنا غضَّ أبصارنا عن عيوب الناس، إذ من يرى عيب الناس يغتر، ويعجب بنفسه فهو منشغل بعيوب الناس عن عيب نفسه.

إخوتاه

(٢) من أسباب الوقوع في هذا المرض الخطير " الغفلة "

يقول التابعي الجليل عون بن عبد الله بن عتبة بن مسعود: ما أحسب أحداً تفرغَ لعيب الناس إلا من غفلة غفلها عن نفسه.

فالغفلة شئ ظاهر، ولا شك فلولاها لاعتنى بملكه واشتغل بفرسه وجنى الثمار، أما هؤلاء فأعداء المروءة، بنو عم السوء، إذا رأوا حسنا كتموه، وإذا رأوا عيبا أذاعوه، وإن لم يعلموا كذبوا، نسأل الله أن يقينا شرهم.

<<  <   >  >>