هذا يقال فيما إذا كانت الأخبار الواردة في الصلاة في الثوب الواحد تشمل حتى صلاة مكشوف الرأس كما يريد الشيخ المذكور أن يفهم ذلك منها. ونحن نخالفه في ذلك، ونزعم أن تلك الأحاديث لا تتعرض لكشف الرأس مطلقاً؛ بل لستر ما دونه من البدن؛ وذلك لأن المعهود من سيرته صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه كان يتعمم، أو يَتَقَلْنَسُ، وكذلك كان أصحابه، فلو أنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حينما صلى في الثوب الواحد صلى مكشوف الرأس؛ لذكر ذلك من روى صلاته تلك، لا سيما وهم جمع غفير - كما سبق -، فعدم روايتهم لذلك دليل على أنه صلى صلاته المعتادة؛ إلا فيما ذكروه من اقتصاره صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الثوب الواحد لبدنه. ومثل هذا الأمر لا يقال فيه: إن الأصل العدم، فمن ادعى الثبوت؛ فعليه الإثبات! لأننا بيَّنا أن المعتاد منه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ستر الرأس؛ فالأصل هنا ثابت، فمن ادعى خلافه؛ فعليه الدليل ولو كان نافياً، وليس مَن نفى لا يطالب بالدليل دائماً - كما هو مقرر في موضعه -، فثبت بذلك أن هديه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الصلاةُ مستورَ الرأس (*) . وقد قال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " صلوا كما رأيتموني أصلي ". فأقل ما يستفاد من مجموع الفعل والأمر الاستحباب، وعكسه الكراهة، ويؤيد ذلك أنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قد أمر بالصلاة في النعلين مخالفةً لليهود - كما سبق في محله -، فالقياس، وعموم النصوص الناهية عن التشبه بالكفار - لا سيما في عبادتهم -، كل ذلك يقتضي كراهة الصلاة حاسر الرأس؛ لأن ذلك من التشبّه بالنصارى حينما يقومون في عبادتهم حاسرين - كما هو مشهور عنهم -، فهل المخالفة في الأرجل أقوى، أم في الرؤوس؟! هذا ما ظهر لي في هذا المقام. والله تعالى هو الموفق.