رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خطَّأ أبا بكر رضي الله عنه في تأويله لرؤيا كان رآها رجل،
فقال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ له:
" أصبت بعضاً، وأخطأت بعضاً " (١) . فهل طعن صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في أبي بكر بهذه الكلمة؟!
ومن عجيب تأثير هذا الوهم على أصحابه؛ أنه يصدهم عن اتباع السنة
المخالفة لمذهبهم؛ لأن اتباعهم إياها معناه عندهم: الطعن في الإمام، وأما
اتباعهم إياه - ولو في خلاف السنة - فمعناه احترامه: وتعظيمه! ولذلك فهم
يصرون على تقليده؛ فراراً من الطعن الموهوم.
ولقد نسي هؤلاء - ولا أقول: تناسوا - أنهم بسبب هذا الوهم؛ وقعوا فيما
هو شر مما منه فروا، فإنه لو قال لهم قائل: إذا كان الاتباع يدل على احترام
المتبوع، ومخالفته تدل على الطعن فيه؛ فكيف أجزتم لأنفسكم مخالفة سنة
النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وترك اتباعها إلى اتباع إمام المذهب في خلاف السنة، وهو غير
معصوم، والطعن فيه ليس كفراً؟! فلئن كان عندكم مخالفة الإمام تعتبر طعناً
فيه؛ فمخالفته الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أظهر في كونها طعناً فيه؛ بل ذلك هو الكفر بعينه
- والعياذ بالله منه -. لو قال لهم ذلك قائل؛ لم يستطيعوا عليه جواباً؛ اللهم!
إلا كلمة واحدة - طالما سمعناها من بعضهم - وهي قولهم: إنما تركنا السنة؛
ثقةً منا بإمام المذهب، وأنه أعلم بالسنة منا.
وجوابنا على هذه الكلمة من وجوه يطول الكلام عليها في هذه المقدمة؛
ولذلك فإني أقتصر على وجه واحد منها، وهو جواب فاصل بإذن الله، فأقول:
ليس إمام مذهبكم فقط هو أعلم منكم بالسنة؛ بل هناك عشرات؛ بل
مئات الأئمة هم أعلم أيضاً منكم بالسنة، فإذا جاءت السنة الصحيحة على
(١) [رواه] البخاري، ومسلم. وراجع سببه، وتخريجه في " الأحاديث الصحيحة " (١٢١) .