للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

..............................................................................


فثبوت ذلك لا ينكره إِلا جاهل. وقد اعترف بذلك علماؤنا، لكنهم ذهبوا إلى أنها
منسوخة، واحتجوا على ذلك بحديث ابن مسعود. ولا يخفى أن القواعد الأصولية
المتفق عليها بين الحنفية ومخالفيهم تأبى القول بالنسخ؛ لأنهم قالوا: إنه لا يجوز القول
بالنسخ ما أمكن الجمع بين المتعارضين. وهو ممكن هنا من وجهين:
الأول: أن يقال: إنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يرفع أحياناً، أو في غالب الأوقات، ويدع أحياناً.
الثاني: أن يقال: المثبِتُ مقدم على النافي. وهي قاعدة أصولية أيضاً. وقال
البخاري في " جزئه " (٧) :
" فإذا روى رجلان عن محدث، قال أحدهما: رأيته يفعل. وقال الآخر: لم أره.
فالذي قال: رأيته فعل. فهو شاهد. والذي قال: لم يفعل. فليس هو بشاهد؛ لأنه لم
يحفظ الفعل. وهكذا قال عبد الله بن الزبير لشاهدين شهدا أن لفلان على فلان ألف
درهم بإقراره. وشهدا أنه لم يقر بشيء: يعمل بقول الشاهدين، ويسقط ما سواه.
وكذلك قال بلال: رأيت النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صلى في الكعبة. وقال الفضل بن العباس: لم
يصل. وأخذ الناس بقول بلال؛ لأنه شاهد، ولم يلتفتوا إلى قول من قال: لم يصل.
حين لم يحفظ ". اهـ.
فهكذا قول من قال من الصحابة: إنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رفع يديه. مقدم على قول من قال: لم
يرفع. لأنه لم يحفظ ما حفظوه، لا سيما وهم جمع، وذاك فرد؛ وهو ابن مسعود.
واستبعاد علمائنا رحمهم الله أن يخفى عليه ذلك لا يُجديهم نفعاً؛ لأن للمعارض
أن يعكس ذلك؛ فيقول: وأبعد من ذلك أن يكون ابن مسعود علم النسخ الذي تدّعونه،
ويخفى ذلك على جمهور الصحابة، وفيهم بعض الخلفاء الراشدين، فكانوا يعملون
بالمنسوخ في زعمكم، ويروونه للأمة لتعمل به؛ لا سيما ابن عمر رضي الله عنه الذي

<<  <  ج: ص:  >  >>