للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

..............................................................................


ذلك أن أبا حنيفة رحمه الله لما سأله بعض المحدثين عن سبب تركه رفع اليدين؟ قال:
" لأنه لم يصح فيه حديث عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ". في حكاية ذكرها علماؤنا في
كتبهم! فهل يعقل أن يقول عالم مثل أبي حنيفة هذا الجواب في حديث متواتر رواه
عشرون من الصحابة، وعملوا به؟! كلا، ثم كلا. ولكن عذره في ذلك أنها لم تبلغه،
ولم يكن عنده علم بها؛ فجاز له أن يقول: لم يصح فيه شيء. وبالتالي جاز له ترك
العمل بها.
لكن إذا جاز ذلك لأبي حنيفة وأمثاله. المتقدمين؛ فلن يجوز ذلك مطلقاً
للمتأخرين من أتباعه الذين أطلعوا على هذه الأحاديث الكثيرة، وعلموا صحتها، وأنه
لا ينهض شيء من الأخبار لمعارضتها، فهم إذا تركوها تعصباً لأبي حنيفة، وتقليداً له؛
فهم مع مخالفتهم للسنة الثابتة عنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مخالفون أيضاً لإمامهم؛ فإنه رضي الله عنه
لأمثال هؤلاء وَجَّه تلك الأقوال المأثورة عنه رضي الله عنه؛ كقوله:
" إذا صح الحديث؛ فهو مذهبي ". وقوله:
" لا يحل لأحد أن يفتي بقولنا ما لم يعلم من أين قلنا ". فإذا كان رضي الله عنه لا
يُحِل لأحد أن يفتي بقوله في مسألة إلا إذا علم دليله فيها؛ فكيف يجيز لأحد من
أتباعه أن يفتي بقوله فيها وقد علم ضعف ما استند إليه بالنسبة للأدلة الصحيحة الأخرى
- كما في مسألتنا هذه، وغيرها من المسائل الماضية والآتية -؟!
فنحن نحمد الله سبحانه وتعالى أن وفقنا لاتباع سنة نبيه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ونرجو منه تعالى
أن يجزي خير الجزاء الإمام أبا حنيفة وغيره من الأئمة الذين وجهونا هذا الاتجاه الحسن
نحو السنة؛ بأمثال هذه الأقوال الجوهرية الثمينة.
فثبت بما ذكرنا أن من ترك السنة الثابتة لقول إمام؛ فهو مخالف له، وهو غير راضٍ
عنه. ولذلك خالفه في هذه المسألة غير ما واحد من أتباعه المتقدمين والمتأخرين. وأقدم

<<  <  ج: ص:  >  >>