للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[سبب اختلاف روايات الجامع الصحيح]

يرجع السبب الأهم في اختلاف بعض روايات الجامع الصحيح إلى أن البخاري رحمه الله تعالى ترك بياضًا في مواضع متعددة من نسخته، وكأنه أراد أن يزيد فيه، وأدخل في مواضع متعددة زيادات في الهوامش، منها أحاديث، ومنها أبواب، فاجتهدَ مَن نَقَلَ مِن نسخته بعد ذلك في إلحاقِ كل باب أو حديث بموضعه، فحدث لذلك الاختلاف. قال القاضي أبو الوليد سليمان بن خلف الباجي (٤٠٣ - ٤٧٤) في مقدمة كتابه التعديل والتجريح لمن خرَّج عنه البخاري في الجامع الصحيح: "وقد أخبرنا أبو ذرٍّ عبدُ بنُ أحمدَ الهروي الحافظ رحمه الله قال: حدثنا أبو إسحاقَ المُسْتَمْلي إبراهيمُ بن أحمدَ قال: انتسخت كتاب البخاري من أصله، كان عند محمد بن يوسف الفربري، فرأيته لم يَتم بعد، وقد بقيت عليه مواضع مبيضة كثيرة، منها تراجِمُ لم يُثبِت بعدها شيئًا، ومنها أحاديث لم يترجم عليها، فأضفنا بعض ذلك إلى بعض. ومما يدل على صحة هذا القول أن رواية أبي إسحاق ورواية أبي محمد ورواية أبي الهيثم ورواية أبي زيد - وقد نسخوا من أصل واحد - فيها التقديم والتأخير، وإنما ذلك بحسب ما قدر كل واحد منهم، فيما كان في طرةٍ أو رقعة مضافةٍ أنه من موضع ما.، فأضافه إليه. ويبين ذلك أنك تجد ترجمتين وأكثر من ذلك متصلةً ليس بينها أحاديث" ..

وقد اعترض القسطلاني على كلام الباجي بعد أن نقله بقوله: "وهذا الذي قاله الباجي فيه نظر، من حيث أن الكتاب قُرئ على مؤلفه، ولا ريب أنه لم يُقرأ إلا مرتَّبًا، مبوَّبًا .. فالعبرة بالرواية، لا بالمسوَّدة التي ذكر صفتها". وهو يقرر بذلك أن الاعتماد عند اختلاف السماع والخط يكون على السماع لا على الخط، لأن الرواية بالخط إن لم تقترن بالسماع تعد روايةً بطريق الوِجادة، وهي أضعفُ طرق تحمل الحديث.

<<  <   >  >>