للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[محنة البخاري في نيسابور]

تعرض الإمام البخاري لحسد بعض أقرانه، بسبب ما وصل إليه من العلم والشهرة، فبدأوا يبحثون عن موضع نقد في كلامه ومصنفاته يتعلقون به فما وجدوا إلى ذلك سبيلًا. وكانت فتنة خلق القرآن التي انتهت بانتصار أهل السنة، غير أن من آثارها انقسام أهل السنة إلى فريقين في مسألة التصريح بأن اللفظ مخلوق، أي اللفظ الذي ينطق به الإنسان عند تلاوته للقرآن الكريم. فريق يرى أن اللفظ مخلوق بلا شك، لأنه من الأعمال، وأعمال العبد حادثة مخلوقة، وهو الحق. وفريق يمتنع من الخوض في هذه المسألة، ويعتبر التصريح بالقول بأن اللفظ بالقرآن مخلوق بدعةً.

وكان الإمام البخاري يمتنع عن التصريح بأن اللفظ مخلوق، ولكنه مع الفريق الأول يعتقد بأن الأفعال مخلوقة، وألفاظ الإنسان من جملة أفعاله. وكان شيخه محمد بن يحيى الذُّهْليُّ مع الفريق الثاني من أتباع الإمام أحمد بن حنبلٍ، يرى أن كل من يقول: "لفظي بالقرآن مخلوق" مبتدع .. وربما لم تكن هذه القضية في حقيقة الأمر إلا غطاءً.، والدافع الأول للنقد هو الحسد بسبب الشهرة التي وصل إليها البخاري.

كان محمد بن يحيى الذُّهْليُّ (-٢٥٨) إمام أهل الحديث بخراسان، وأعلم الناس بحديث الزهري، وكان مهابًا مطاعًا، عظيم الجاه، وهو شيخ نيسابور، وأحد شيوخ البخاري. ولكن قدوم البخاري إلى نيسابور كان حدثًا عظيمًا زلزل البلد، فقد تلقاه الآلاف من الناس خارج البلدة عندما سمعوا بمقدمه، وتهافت عليه الطلبة.

يقول تلميذه الإمام مسلم بن الحجاج: "لمَّا قدم محمد بن إسماعيل نيسابور ما رأيت واليًا ولا عالمًا فَعل به أهل نيسابور ما فعلوا به، استقبلوه مرحلتين وثلاثةً. فقال محمد بن يحيى في مجلسه: من أراد أن يستقبل محمد بن إسماعيل غدًا

<<  <   >  >>