٤. وثمة نصٌّ يفيد أنه عرض الصحيح على أحمد بن حنبل وعلي بن المَديني ويحيى بن معين، مما يشير إلى أن الكتاب كان مكتملًا سنة ٢٣٣، وهي سنة وفاة يحيى بن مَعين، وإذا كان قد قضى ست عشرة سنة في تأليفه، فلا يَبْعُد أنه بدأ جمعه نحو سنة ٢١٥ خلال رحلاته. وأمضى في تأليفه أربعين سنة، وهو يحرره ويزيد فيه، فالكتاب حصيلة عمر من العلم والبحث والاستقصاء.
نصل من هذه الشذرات إلى أن البخاري قد ابتدأ تأليف كتابه في فترة مبكرة من حياته خلال إقامته في الحجاز، وجمعه وهو يتنقل خلال رحلاته، مع علمنا أنه بَيَّض تراجم أبوابه - أي عناوينه - في المسجد النبوي الشريف بين قبر النبي - صلى الله عليه وسلم - ومنبره، وكان يصلِّي لكل ترجمة ركعتين.
وقد اشتهر البخاري بعد ذلك بالصحيح، وطاف البلدان يحدث به. ولكنه مع ذلك كان يزيد فيه، شأنَ كل مؤلِّف يتاح له الوقت.
وثمة نص نقله الذهبي من كتاب شمائل البخاري يفيد أن البخاري كان يملي الصحيح على وراقه أبي جعفر محمد بن أبي حاتم، ويبدو أن هذا الوراق لازمه وخدمه في أخريات حياته، مما يعني أن البخاري قضى نحو أربعين سنةً - هي جل عمره بعد أن أيفع، في تأليف هذا الكتاب.، ست عشرة منها في جمعه وتأليفه، وسائرُها في تهذيبه وترتيبه والزيادة فيه .. ويؤكد ذلك ما روي أن البخاري ألف كتبه ثلاث مرات.
[النسخة الأصلية للجامع الصحيح]
انتقلت النسخة الأصلية للجامع الصحيح بعد وفاة الإمام البخاري إلى تلميذه محمد ابن يوسف الفربري. ومنها نقلت النسخ الأولى للجامع الصحيح. وممن نقل نسخته من الأصل الحافظ أبو إسحاق إبراهيم بن أحمد البلخي المُسْتَمْلي (-٣٧٦).