للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[حرص البخاري في الجامع الصحيح]

من نظر في الجهد الذي بذله الإمام البخاري في تأليف الجامع الصحيح خلال أربعين سنةً يتيقن بأنه استفرغ غاية وُسعه لكي لا يقع في الخطأ، فكان يؤلف، ويراجع، ويعرض كتابه على العلماء، ثم يعود إلى تحريره، ويمليه على الناس ثم يزيد فيه. مع أنه وصل إلى الغاية في الحفظ والتحرير ومعرفة الأسانيد وكشف خفايا علل الحديث.

ولكنه مع كل هذا العلم الذي حصل له، مما يينبغي يورث لمثله اليقين بالوصول إلى الصواب، لم يكتف بذلك، وسلك مسلكًا آخر، وهو تحقيق شروط أخرى تجعل الوقوع في الخطأ بعيدًا، ذلك هو جانب الاستخارة والالتزام بالطهارة قبل الاشتغال بالتأليف. يقول الإمام البخاري في بيان ما كان يصنعه عند تأليف الصحيح: "خرَّجتُه من ستِّمائة ألف حديثٍ، وجعلتُه حجَّةً فيما بيني وبين الله تعالى". وقال: "ما أدخلتُ في الصحيح حديثًا إلا بعد أن استخرتُ الله تعالى، وتيقنتُ صحته".

وصحَّ عنه أنه قال: "ما وضعت في كتاب الصحيح حديثًا إلا اغتسلت قبل ذلك وصليت ركعتين". وقد أخطأ جماعةٌ في فهم هذا الكلام، فاعترضوا على البخاري بكثرة عدد الأحاديث التي في الصحيح، وأن تكرار الغُسل بعدد الأحاديث مستبعَدٌ عادةً وإن كان الوقت يتسع له، فأراد أحد الفضلاء الدفاع عن البخاري فأجاب بتقليل عدد الأحاديث المقصودة، وردَّ العدد إلى الأحاديث بغير تكرار، وهي نحو ألفين وستمائة حديث.

أقول: وكلاهما أخطأ قَصْدَ البخاري في مقالته، لأن مراده أنه كان يغتسل ويصلي ركعتين قبل البدء بالكتابة في الصحيح لا قبل كل حديث، فإذا قصد الكتابة بعد العشاء مثلًا اغتسل وصلى ركعتين وقعد يكتب ليلته تلك، وقد يستمر على ذلك إلى

<<  <   >  >>