للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يحيى الذُّهلي في مسألة (لفظي بالقرآن مخلوق)، فإن الذهلي كان متشدِّدًا يرمي بالبدعة كل من يقول بذلك. ومع أن الإمام البخاري صرح مرارًا بأنه لم يقل ذلك، إلا أن خصومه اتهموه بالقول باللفظ، وحشدوا العامة ضده، وحذروا الناس منه، حتى خرج من نيسابور وحيدًا. وبقي البخاري صامدًا يحاول أن يوقف هذا المدَّ الذي سلك مسلكًا خطأً، وأبى أن يتراجع لأجل تسكين العامة وإرضاء خصومه، وفضل أن يرحل من بلد إلى بلد، إلى أن ضاقت به الأرض، ولم ينحرف عن الحق قِيد شعرة. وكان جوابه أن أفعالنا مخلوقة وأن ألفاظنا من أفعالنا، وهو مذهب أهل السنة الذي تمسك به بعد ذلك الإمام أبو الحسن الأشعري ومن تبعه من أهل السنة.

وكان البخاريُّ يرى أن أفعال العباد مخلوقة، وتصدى في هذه المسألة للمعتزلة، فألف كتابًا في الرد عليهم. وكان يرى أن الإيمان قولٌ وعمل، وأنه يزيد وينقص.

[صفة البخاري]

وردت صفة البخاري عن الحسن بن الحسين البزاز قال: " رأيت محمد بن إسماعيل بن إبراهيم شيخًا، نحيف الجسم، ليس بالطويل ولا بالقصير ".وربما سبب نحوله ما روي أنه كان قليل الأكل جدًّا، فقد مكث أربعين عامًا يأكل الخبز وحده لا يأكل معه الإدام. فلما مرض ذكر الأطباء أن دواءه الإدام، فامتنع حتى ألح عليه العلماء والطلبة، فقبل أن يأكل مع الخبز سُكَّرًا. وكان يحب القثاء ويؤثره على البطيخ أحيانًا.

[أخلاق البخاري]

كان الإمام البخاري واسع الكرم، كثير الإنفاق على الطلبة، شديد الورع في المال والكسب، يصون لسانه عن الغيبة، لا يتكلف التواضع، بل هو فيه سجية. ولم يكن يغضب لذم ولا يفرح بمدح، فقد كان يحلف أن المادح له والذام من الناس هما عنده

<<  <   >  >>