للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

سواء. ومع تواضعه الشديد فقد كان مترفعًا بالعلم، متعززًا به، يعرف قدر العلم الذي شرفه الله تعالى به، يعز العلم، ويبذله لأهله، ويصونه عن غير أهله.

ولم يكن البخاري يتكسَّب بالحديث، أو يتقاضى أجرًا عليه من الناس، ولا يقبل عليه عطاءً، بل كان يحسن إلى طلبة الحديث، ويتعاهدهم بالنفقة، ويوصيهم بكتمان ذلك. ولم يؤلف كتبه للملوك، ولم يحدِّث بين أيديهم.

ومن أمثلة تواضعه أنه كان مرةً يبني رباطًا خارج بخارى، فكان ينقل اللَّبِنَ بنفسه، رغم أنه اجتمع كثيرٌ من الناس لإعانته على ذلك. فقال له ورَّاقه: يا أبا عبد الله إنك تُكفى ذلك، فقال: هذا الذي ينفعني.

وكانت للبخاري جاريةٌ فأرادت مرةً الدخول عليه، فعثرت بمِحبرة بَين يديه، فقال لها.: كيف تمشين.؟ فقالت: إِذا لم يكن طريقٌ كيف أمشي؟ فبسط يديه وقال: اذهبي فقد أعتقتُكِ. فقيل له: أغضبتك وأعتقتها! فقال: أرْضيتُ نفسي بما فعلت.

وكأن البخاري أراد أن يعمل هنا بقول الله تعالى: {الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} [سورة آل عمران: ١٣٤]، ولكنه ستر أمره بقوله: "أرضيتُ نفسي بما فعلت".

وتميَّز البخاري من بين كثير من الفضائل بثلاث خصال:

١. كان قليل الكلام.

٢. كان لا يطمع فيما عند الناس.

٣. كان لا يشتغل بأمور الناس، بل كان كل شغله في العلم.

وكان شديد الثبات على الحق، لا يعدل عنه مهما لقي في سبيل ذلك من الصعاب

<<  <   >  >>