للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ومن إنصاف البخاري وعدله وخلقه الرضيِّ أنه لم يحذف الأحاديث التي رواها عن شيخه الذهلي في الجامع الصحيح، بل أبقاها وأبقى اسمه فيه.

وثمة أخبار تفيد بأن البخاري تعرض في شبابه لبعض المضايقات من والي نيسابور، فقام اثنان من مشايخ البخاري بالتوسط له عند الوالي واسمه يعقوب بن عبد الله، وذهب لأجل ذلك الإمام إسحاق بن راهَوَيهِ (١٦١ - ٢٣٨) والحافظ عمرو بن زُرارة (-٢٣٨) فكَلَّما الوالي وعرَّفاه بمنزلة البخاري، فاعتذر إليهم عما جرى قائلًا: مذهبنا إذا رُفع إلينا غريبٌ لم نعرفه حبسناه حتى يَظهر لنا أمرُه".

[آثار المحنة]

من آثار هذا الخلاف بين الإمام البخاري ومحمد بن يحيى الذهلي، أن الذهليَّ كان يحذِّر منه تلاميذه وأصحابه، ومن هؤلاء أبو حاتم محمد بن إدريس الرازي (١٩٥ - ٢٧٧)، وأبو زُرعة عبيد الله بن عبد الكريم الرازي (-٢٦٤)، فقد كتب الذهلي إليهما يحذرهما من البخاري أنه يقول بمسألة اللفظ، فتركا حديثه من غير تثبت. ذكر ذلك عبد الرحمن بن أبي حاتم الرازي (-٢٤٠ - ٣٢٧) في كتابه الجرح والتعديل فقال: "سمع منه أبي وأبو زرعة، ثم تركا حديثَه عندما كتب إليهما محمد بن يحيى النيسابوري أنه أظهر عندهم أن لَفْظَه بالقرآن مخلوقٌ".

وكلاهما كان من تلاميذ الذهلي، وكانا متعصبَين له. ومن الأدلة على تعصب أبي زرعة الرازي للذهلي ما رواه الحافظ أبو قريش محمد بن جمعة القُهُستانيُّ (-٣١٣) قال: "كنا عند أبي زُرعة الرازي، فجاء مسلم بن الحجاج، فسلم عليه، وجلس ساعة، وتذاكرا. فلما ذهب قلت لأبي زرعة: هذا جمع أربعة آلاف حديث في الصحيح! فقال.: ولم ترك الباقي؟ ليس لهذا عقل، لو دارى محمدَ بن يحيى لصار رجلا". أقول:

<<  <   >  >>