الفجر لا يقوم من مجلسه، وقد يكتب في تلك الليلة مائة حديث أو مائتين بغُسل واحدٍ وركعتين قدَّمهما قبل البدء. ويصح له الإخبار حينئذٍ بأنه ما وضع حديثًا في الصحيح إلا اغتسل قبل ذلك".
والبخاري رحمه الله تعالى إمام في البلاغة، ولو أراد أن يخبر عن أنه كان يغتسل قبل كل حديث لقال: "ما وضعت في كتاب الصحيح حديثًا إلا اغتسلت قبله وصليت ركعتين"، ولكنه عدل عن ذلك إلى عبارة تفيد ما أراده من المعنى. وبهذا يندفع اعتراض المستخِفِّ بالبخاري، ويستبين خطأ من تصدى للدفاع عنه وتفسير كلامه، فجعل مراتِ غُسله بعدد مرات الأحاديث غير المكررة.
وثمة أمرٌ آخر هنا، وهو أنه قال: "ما وضعتُ"، ولم يقل "ما كتبتُ"، وما ذلك إلا لأنه لم يكتب جميع الصحيح بخط يده، بل كان يُملي في الأعوام الأخيرة على ورَّاقه أبي جعفرٍ، ولفظ الوضع عامٌّ يشمل الإملاء، فإذا أملى فقد وضع حديثًا وأدخله في الصحيح وإن لم يكتبه بيده، ويكون قد اغتسل وصلى ركعتين قبل الجلوس للإملاء.، وهو ما كان يفعله عدد من المحدثين كالإمام مالك، الذي كان يغتسل قبل أن يقعد لإملاء الحديث تعظيمًا لحديث النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -.
ولقد استبهم علي المرادُ من قول البخاري هذا مدةً، واستنكفت عن إدخاله في هذا الكتاب، وتوجهت إلى الله تعالى ففتَح الله علي في فهمه، وله الحمد والشكر.
[شرط البخاري في الجامع الصحيح]
لم يخرِّج البخاري في كتابه الجامع الصحيح إلا الصحيح من الحديث، بل تحرَّى أعلى مراتب الصحيح. ولذلك وصلت أحاديث الجامع الصحيح إلى أعلى درجات الصحة،