للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[الجهة الثانية: الفرق بين العصمة والإتقان]

فالعصمة معناها عدم الوقوع في الذنب.، ومن المتفق عليه أنه لا أحد سوى المرسلين والأنبياء معصوم من الذنوب. فكلنا يمكن أن يذنب، ولكن هذا لا يعني أنه لا يمكن لأحد من البشر أن يقوم بعمل لا يخطئ فيه أبدًا. فقد توالى على البشرية آلاف العلماء والحكماء والأدباء والصُّنَّاع والمؤلفين، من المسلمين وغير المسلمين، ممن قدَّموا للبشرية أعمالًا بلغت الغاية في الإتقان والكمال ولم يخطئوا فيها.، ليس لأنهم معصومون.، ولكن لأنهم متقنون لأبواب العلوم والفنون التي اشتغلوا بها، والاختصاصات التي صرفوا أعمارهم في تعلمها والتبحر فيها وخدمتها.

وكم رأينا حافظًا للقرآن الكريم لم يخطئ في قراءة القرآن من حِفْظه طول عمره منذ حَفِظه، ليس لأنه معصومٌ، ولكن لأنه أتقن حفظ القرآن، وصرف فيه وقته، وبذل جهده وهمته، حتى ملأ القرآن قلبه، وملك عليه حواسه.

فالإنسان غير المعصوم يمكن أن يقوم بعمل على أقصى درجة من الإتقان، ويكون ذلك العمل سليمًا من الخطأ، ولا يعني ذلك أن القائم بالعمل معصومٌ، ولكن الله وفقه في هذا العمل بسبب إتقانه له واستيفائه لكل شروطه.

وهذا هو شأن البخاري في الصحيح، لم يعتمد على مَلَكَةِ الحفظ وحدها.، وهي التي فاق فيها أهل عصره، وبزَّ أقرانه، بل زاد التعمق في معرفة علل الحديث الظاهرة والخفية، والغوص في خفايا الأسانيد، إلى درجة حيَّرت العلماء، وقد شهد له أساتذته بذلك.

نعم، يمكن أن يأتي جاهلٌ وينظرَ إلى بناءٍ محكم قد أفرغ فيه مِعْمَارٌ عبقريٌّ كل

<<  <   >  >>