للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

جهده، ويدعيَ وجود خطأ في تصميمه، ولكن المختصين من أرباب العِمارة سيسخرون منه ومن دعواه. وهكذا الشأن في صحيح البخاري، يمكن أن يأتي جاهل ويشكك فيه ويدعيَ عدم صحته، ولكن العلماء سيسخرون منه ومن دعواه، وسيذهب كلامه أدراج الرياح، ويبقى الإمام البخاري علمًا شامخًا مؤيدًا من الله تعالى مرضيًّا عنده، ويبقى الجامع الصحيح مَعْلَمَةً من معالم الإسلام.

ولذلك فإن القول بأن البخاري غير معصوم ويمكن أن يخطئ هو مغالطةٌ يمكن أن تهدم كل عمل من الأعمال سواء أكان دينيًّا أم دنيويًّا. وخلاصة الجواب هو في كلمتين.: الفرق بين العصمة والإتقان.

[حكمة تكرار الأحاديث]

كثيرًا ما يكرر البخاري الحديث في عدة أبواب، أو يُقطِّعه، ولم يكن ذلك عَبثًا منه ولا تطويلًا، بل اتَّبع فيه منهجًا دقيقًا في جمع طرق الحديث وأسانيده وألفاظه، والكشف عن وجوه الاستدلال به، وبيان ما يُستنبط منه من المعاني والأحكام. ولذلك ما كان هو نفسه يَعُدُّ ذلك تكرارًا. ورد في نسخة الصَّغَّاني من الصحيح، في باب التعجيل إلى الموقف من كتاب الحج قول البخاري: "يدخل في هذا الباب هذا الحديث حديثُ مالك عن ابن شهاب، ولكني أريد أن أدخل فيه غيرَ مُعادٍ". وحديث مالك عن ابن شهاب رواه البخاري في الباب الذي قبله، ولما لم يجد له إسنادً آخر يرويه به، لم يشأ أن يستشهد به، وعلل ذلك بالتزامه أنه لا يدخل في الصحيح حديثًا مُعادًا.

ومما يتكرر في الصحيح عند بدايات بعض الكتب: البسملة، وسبب ذلك أن البخاري كان ينقطع عن الاشتغال بتأليف الصحيح مدة ثم يرجع إليه، فإذا رجع ابتدأ بالبسملة ثانية، عملًا بالسنة.

<<  <   >  >>