للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ولكن الإمام مسلمًا صار رجلًا لا كالرجال بملازمته للإمام البخاري، ولم يحتج إلى مداراة الذهلي، بل إن الذي خرَّج مسلمًا في صناعة الحديث هو البخاري.

وقال البخاري متحدثًا عن آثار هذه الفتنة، كاشفًا عن بشارات النصر التي كانت تأيته من الله تعالى:

"لم يكن يتعرض لنا قط أحد من أفناء الناس إلا رُمي بقارعة ولم يَسلَمْ.، وكلَّما حدَّث الجهال أنفسهم أن يمكُروا بنا رأيت من ليلتي في المنام نارًا توقَد ثم تُطفأ من غير أن يُنتفَع بها، فأتأول قوله تعالى: {كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَارًا لِّلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ} [سورة المائدة: ٦٤] ".

[محنة البخاري في بلده]

لما رجع البخاريُّ إلى بلده بخارى نُصبت له القباب على مسافة فرسخ من البلد، وخرج الناس لاستقباله، ونُثرت عليه الدراهم والدنانير. واستقر بها مدةً إلى أن حدثت بينه وبين واليها وحشةٌ، اضطرته إلى الخروج منها.

وسبب ذلك أن أمير البلد خالد بن محمد الذهلي أرسل إليه رسولًا يسأله أن يأتي بالصحيح ويحدث به في قصره. فامتنع البخاري، وقال: أنا لا أُذل العلم. وفي رواية أن سبب امتناعه هو أنه لم يرد منع العلم عن العامة، وقال: لا يسعني أن أخص بالعلم قومًا دون قوم، ومراده أن يحضر الأمير وأبناؤه المسجد ويسمعوا مع الناس.

وفي قول آخر أن سبب إخراج الأمير له هو كتاب ورده من محمد بن يحيى الذهلي يحذره فيه من البخاري واعتقاده في مسألة اللفظ، وأن الكتاب قُرئ على العامة.

فأمره الأمير بالخروج من البلد، فخرج البخاري. ولكن البخاري دعا على الأمير،

<<  <   >  >>