ومع ذلك ظلت أخبار الهزائم ظلت تتوالى، فذهب الخديوي ومعه شريف باشا إلى العلماء وقال لهم:
- إما أن هذا الذي تقرأونه ليس بصحيح البخاري، أو أنكم لستم العلماء الذين نعهدهم من رجال السلف الصالح، فإن الله لم يدفع بكم ولا بتلاوتكم شيئًا .. فوجم العلماء لذلك، فابتدره عالم من آخر الصف وقال له:
- منك يا إسماعيل، فإنا روينا عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال:«لتأمُرُنَّ بالمعروف، ولتَنْهَوُنَّ عن المنكر، أو ليُسَلِّطَنَّ اللهُ عليكم شرارَكم فيدعو خيارُكم فلا يُستجاب لهم». فزاد وجوم المشايخ، وانصرف الخديوي ومعه شريف باشا، ولم ينبسا بكلمة. وأخذ بعض العلماء يلومون القائل ويؤنبونه.
فبينما هم كذلك، إذا بشريف باشا قد عاد يسأل: أين الشيخ القائل للخديوي ما قال؟ فقال: أنا. فأخذه وقام. وانقلب العلماء بعد أن كانوا يلومون الشيخ يودعونه وداع من لا يأمُلون أن يرجع. وسار شريف باشا بالشيخ إلى أن دخلا على الخديوي في قصره.، فإذا به قاعد في البهو، وأمامه كرسيٌّ أجلسَ عليه الشيخَ، وقال له: أعد يا أستاذ ما قلته لي في الأزهر، فأعاد الشيخ كلمته، وردد الحديث وشرحه. فقال له الخديوي: وماذا صنعنا حتى ينزل بنا هذا البلاء؟ فقال له: يا أفندينا، أليست المحاكم المختلطة قد فُتحت بقانون يبيح الربا؟ أليس الزنا برخصة؟ أليس الخمر مباحًا؟ أليس أليس، وعدد له منكراتٍ تجري بلا إنكار، وقال: فكيف تنتظر النصر من السماء؟ فقال الخديوي: وماذا نصنع وقد عاشرنا الأجانب، وهذه مدنيتهم.؟ قال: إذن، فما ذنب البخاري وما حيلة العلماء! ففكر الخديوي مليًّا، وأطرق طويلًا ثم قال: صدقت، صدقت، وأمر فرُتبت له في الرزنامجة ثلاثون جنيهًا.