للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ثم اشتغل البخاري بطلب الفقه على مذهب أهل الرأي، أي مذهب أبي حنيفة، فكان يتردد على الإمام أبي حفص الكبير، وهو أحمد بن حفصٍ البخاري (١٥٠ - ٢١٧).، من كبار أئمة الحنفية وتلميذُ محمد بن الحسن الشيباني (١٣١ - ١٨٩). ومما قرأه عليه البخاري كتاب الجامع لسفيان الثوري.

يقول البخاري: كنت عند أبي حفصٍ أحمد بن حفصٍ أسمع كتاب الجامع جامع سفيان من كتاب والدي، فمرَّ أبو حفصٍ على حرفٍ ولم يكن عندي ماذكر، فراجعته، فقال الثانية كذلك، فراجعته الثانيةَ فقال كذلك، فراجعته الثالثةَ فسكت سويعة ثم قال: من هذا؟ قالوا: هذا ابن إسماعيل بن إبراهيم بن بَرْدِزْبَهْ، فقال أبو حفصٍ: هو كما قال: واحفظوا فإن هذا يصير يومًا رجلًا.

وكان للإمام البخاري أيام طلبه للعلم ببخارى بلدِه رفقاءُ، منهم: الإمامُ محمدُ بنُ أحمدَ بنِ حفصٍ (-٢٦٤) الذي صار من بعد مفتي بخارى وأحد كبار الأئمة، وهو ابن أبي حفصٍ الكبيرِ، نقل الذهبي أنه رافق البخاريَّ في الطلب مدةً.

وقد وضع البخاري لنفسه منهجًا دقيقًا في طلب العلم، فمع أنه كان يروي عمن هو فوقه ومثله ودونه من الشيوخ، إلا أنه كان يدقق مع الشيوخ الذين يروي عنهم من غير المشاهير من الأئمة، فكان يسأل الرجل عن اسمه وكنيته ونسبه، وكيف تحمَّل الحديث الذي يرويه، فإن لم يكن من أهل الحفظ والدراية، طلب منه أن يُخرج له أصل كتابه، فيستعيره منه وينسخه.

وهذا الحرص من الإمام البخاري هو الذي أوصله إلى أعلى المراتب بين أهل عصره ومن بعدهم. ومن أمثلة حرصه قوله في بعض كلامه: تركت أنا عشرة آلافِ حديثٍ لرجل لي فيه نظر، وتركت مثله أو أكثر منه لغيره لي فيه نظر".

<<  <   >  >>