للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقد سُئل الإمام الجويني والد إمام الحرمين أبي المعالي عبد الملك عمن يتصدر لتعاطي الحديث الشريف وقراءته وهو يعلم من نفسه أنه لا يُحسن فأجاب: بأنه داخلٌ تحت وعيد قوله - صلى الله عليه وسلم -: «من كذب عليَّ متعمدًا»، وهو حديث متواترٌ، وهو ظاهرٌ ضرورةً [فيمن] علم من نفسه عدم الأهليه لذلك ثم أقدم عليه جراءةً وتعمُّدًا. اللهم سَلِّمْ، اللهم سلِّمْ" .. ثم قال في آخر الجواب:

"والمقدم على قراءة البخاري جراءةً وجسارةً - وهم غالب أهل وقتنا، ما أقلَّ حياءَهم - من غير تحصيل أدواته، والأخذِ عن أهله، لا يحلُّ الجلوس ولا الإيواء إليه، ولا سماع ذلك، خشية أن يحملَ عنه شيئًا على غير وجهه.، فيكون مثلَه إذا حدَّث به، وهو ممن لا أهلية فيه كذلك. وينبغي بل ويجب على من يُسمع منه زجر من لا أهلية ولا قابلية فيه عن تناول ذلك وتعاطيه والتصدُّر به، وأدبُه إن لم ينتهِ بما يراه كافيًا في حقِّه من السجن وغيره".

والاعتماد في ذلك على إجازة الشيوخ مجردةً عن تحصيل ما لا مَنْدُوحَةَ عنه من الأدوات، ومعرفة مصطلح أهل هذا الشان اغترارٌ وجهالةٌ بتعليق المجيزين ذلك على الشرط المعتبر عند أهل الأثر، وبالضرورة انتفاء المشروط بانتفاء شرطه ... ".

وقال بعد كلامٍ نقلناه قبل: "والحاصلُ أن تناول المجترئين على الله ورسوله صحيحَ البخاري وقراءَته لتحصل لهم الجلالة والمَهابةُ في عيون العامة وقلوبها بالبادية وغيرها سببٌ في خراب الديار وقِلَّة العمران. ولقد شاهدنا كثيرًا من البلدان كان يُقرأ فيها على غير وجهه قد خربت [واندثرت]، وكيف لا وهو عماد الدين وقول سيد المرسلين، [ففي] تحويله وتحريفه تخريب له، وكذلك كان الجزاء جزاءً وِفاقًا.

<<  <   >  >>