ليكون كالمقدمة له بين يدي كتابه. وذلك أنه لم يكن من عادة المؤلفين في القرون الأولى وضع مقدمات للكتب التي يؤلفونها، لكن الإمام البخاري جعل حديث «إنما الأعمال بالنيات» كالمقدمة لكتابه .. وقد عمل الإمام البخاري بقول الإمام عبد الرحمن ابن مهدي (١٣٥ - ١٩٨): "من أراد أن يؤلف كتابًا فليبدأ بحديث «إنما الأعمال بالنيات». وفي جعل الحديث في موضع المقدمة تخلُّصٌ من أن يبدأ بكلام من عنده كتابًا خاصًّا بحديث النبي - صلى الله عليه وسلم -، أو يقدم قوله على قول النبي - صلى الله عليه وسلم -.
وأول شيخ روى عنه البخاري في الصحيح هو عبد الله بن الزُّبير الحُميدي القرشي (-٢١٩) روى عنه حديث النية هذا. والسبب في تقديمه للرواية عنه ما يجب له من الإجلال من بين شيوخه لأنه قرشيٌّ، فأراد البخاري أن يعمل بالحديث النبوي - صلى الله عليه وسلم -: «قدموا قريشًا ولا تَقَدَّمُوها». [أخرجه البيهقي]، وهي علة سياقته للحديث مختصرًا.
ومن المعاني الخفية التي أرادها البخاري من سياق هذا الحديث بإسناد شيخه الحميدي.، مع أن الحديث غير تام، وإسناده سُداسي نازلٌ، أن في هذا الإسناد تصريحًا من كل راوٍ بالسماع من شيخه، وليس فيه عنعنة، [أي عن فلان عن فلان مما قد يوهم عدم السماع]. والبخاري يُلْمِحُ بذلك إلى أن الأصل في الرواية هو التصريح بالسماع، فإذا عدَل الراوي عن السماع إلى العنعنة، فلا بد من النظر في حديثه والبحثِ عن ثبوت سماعه من شيخه. وهذا باب من العلم كان البخاري إمامًا فيه، قد حرره أحسن تحرير، فلم يَروِ في أصل كتابه حديثًا فيه عنعنة إلا وقد ثبت عنده فيها السماع. فكأنه أراد أن يقول في مقدمة الكتاب: إن كلَّ ما أسوقه في هذا الكتاب مما ليس فيه تصريح بالسماع قد ثبت عندي سماع راويه له. وليس الكلام في المتابعات والشواهد والمعلقات، فإنها ليست مقصود الإمام البخاري في الصحيح.