للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

انقضت الحوادث إلى غرة ربيع الآخرة سنة تسع وعشرين وثلاثمائة.

وفيه توفى الراضى بالله وأنا أذكر وفاته بعد إتمامى وأذكر مختار شعره. كان الراضى فى آخر أيامه قد تغيرت أخلاقه وأفعاله التى ما كان أحد على مثلها فى فضله وعقله وكرمه وأدبه، وما اتهم فى ذلك إلا ما قاله لى سنان من علته، وكان قد تغير لجميع الجلساء حتى ساوى بنا من لم يكن يساوينا عنده، وزاد الأمر حتى فضلهم علينا. وخص عبثه باسحاق بن المعتمد وبى إلا أن إسحاق لثقل سمعه كان لا يسمع أكثر ما يمر، وكنت أنا أسمع ويكثر الخطاب لى وكنت أحتمل ضرورة، ولما أوجبه الله على وربما أطلعت حجة تغيظه إذا زاد الأمر على فيغضى عنها لكرمه لولا أنه كان أحسن الناس وفاء وأتمهم حلما وكرما، لظننت أنه سيمنعى من الوصول اليه، وكان يمدحنى إذا غبت ولا يفعل ذلك اذا حضرت ولقد حدثنى بعض الخدم أن أحمد بن يحيى المنجم ثلنى يوما عنده فقال له أمسك عن هذا ولا تنظر الى ما أفعله فانى أريد بما أجرى إليه إصلاحه لى كما أريد، فقال له فلو قومه سيدى بحجبته عنه أياما. فقال قد هممت بذلك فخفت أن ينسبنى الناس الى قلة وفاء لقدر خدمته لى، ولأنه حبب الى الأدب وسنى لى قول الشعر وعرفنى نقده وتعب معى فيه.

ومع ذلك فيقال إذا حجب مثل الصولى فماله رغبة فى الأدب، حدثنى بذلك بعض الخدم قال فما سمعناه يعيد ذكرك عنده. وكان يقول لى أبو الحسن بن أبى عمرو الشرابى لا يغمنك ما يجرى فلا والله ما هو عن كراهة ولا بغض، ولكنه من عبث الملوك بمن يحبون من عبيدهم