من تقدمة الْمعرفَة: أَحْمد الْمدَّة الْأَبْيَض المستوي الأملس الَّذِي لَا رَائِحَة لَهُ مُنكرَة وبالضد من هَذَا فَهُوَ رَدِيء لِأَن الرَّائِحَة الشَّدِيدَة تدل على النضج.
فَأَما بَيَاض لَوْنهَا فَيدل على جودة النضج وَذَلِكَ أَن النضج إِنَّمَا هُوَ تشبه الشَّيْء بلون الْأَعْضَاء الَّتِي تجيئه. ولون الْأَعْضَاء الْأَصْلِيَّة الَّتِي تحيل الْخَلْط إِلَى الْمدَّة أَبيض. والمدة إِنَّمَا تكون عَن الدَّم الَّذِي يبرز وَيخرج إِلَى خَارج الْعُرُوق فَإِن انطبخ بحرارة نارية شَدِيدَة عفن عفناً بِمَنْزِلَة مَا يكون فِي أبدان الْمَوْتَى وَإِن انطبخ بحرارة معتدلة لم يحدث فِيهِ من الحدة مَا يحدث من الهضم كالحال فِي الْمَنِيّ وَلَكِن يَنْبَغِي أَن تعلم أَن الْمدَّة لَا يُمكن أَن يبلغ حَال الْمَنِيّ فِي عدم الرَّائِحَة الرَّديئَة وَشدَّة الْبيَاض لِأَنَّهُ لَا بُد أَن يكون فِيهِ من العفونة شَيْء صَالح فَيَنْبَغِي أَن تعلم أَن أصلح حالاته قَالَ: وكل خراج يتقيح إِلَى خَارج وَإِلَى دَاخل فرديء جدا لِأَنَّهُ لَا يكون للطبيعة مَوضِع تبتدئ مِنْهُ بإنبات اللَّحْم.
الْفُصُول: فِي وَقت تولد الْمدَّة يعرض الوجع والحمى أَكثر مِمَّا يعرضان بعد تولدها. إِن الْمدَّة إِنَّمَا تتولد من دم يتَغَيَّر فَيصير إِلَى حَال بَين الجيدة والرديئة. والتغير الرَّدِيء هُوَ الَّذِي يكون إِلَى العفونة. والتغير الْجيد هُوَ الَّذِي يتَغَيَّر فِيهِ إِلَى التَّشَبُّه بالأعضاء. فَأَما الْمدَّة فتتغير بِتَغَيُّر متوسط فَإِنَّهُ لَيْسَ يكون من الْحَرَارَة الْخَارِجَة من الطَّبْع وَحدهَا وَلَا من الْحَرَارَة الغريزية وَحدهَا لِأَن تغير الدَّم إِلَى الْمدَّة كَأَنَّهُ متولد من بَين الحرارتين والوجع يكون فِي الْعُضْو الوارم بتمديده وإسخانه وتتبع ذَلِك الْحمى لِأَن الْقلب يسخن بسخونة الْعُضْو الوارم وَهَذَانِ الْأَمْرَانِ يعرضان أَشد عِنْدَمَا يعرض للدم من الاستحالة الشبيهة بالغليان والاحتراق فَإِذا اسْتكْمل هَذِه الاستحالة خفف الوجع والأعراض لِأَن جالينوس قد بَين أَن الوجع يكون مَا دَامَت تجارب.
فِي كِتَابه فِي سوء المزاج الْمُخْتَلف: والقروح فِي أبدان الْمَشَايِخ لَا تكَاد تَبرأ لقلَّة الدَّم فِي أبدانهم وَلَيْسَ يُمكن أَن يتكون القروح الَّتِي تتولد فِيهَا الْمدَّة خبيثة عَارِية وَفِي تولد الْمدَّة فِي القروح غَايَة الثِّقَة والأمن من فَسَاد القرحة.
القروح الَّتِي يحدث من أجلهَا التشنج لَا تجمع مُدَّة والآكلة والقروح السرطانية والخيرونية)
من حدثت لَهُ قرحَة فَأَصَابَهُ بِسَبَبِهَا انتفاخ فَلَا يكَاد أَن يُصِيبهُ من أجلهَا تشنج أَو تمدد وَإِن كَانَت القرحة من قُدَّام عرض لَهُ جُنُون أَو وجع فِي الْجنب أَو تقيح أَو اخْتِلَاف دم إِن كَانَ ذَلِك الانتفاخ أَحْمَر.
قَالَ: جالينوس يَقُول: إِنَّه إِذا حدثت بِأحد قرحَة فَأَصَابَهُ بِسَبَبِهَا ورم فَلَا يكَاد يُصِيبهُ من أجلهَا تشنج وَلَا جُنُون إِلَّا فِي الندرة إِذا كَانَ الورم عَظِيما جدا وَكَانَت خبيثة رَدِيئَة وَإِنَّمَا يعرض إِذا كَانَت من خلف التشنج لِأَن مَا خلف من الْبدن يَعْنِي الظّهْر عصبي وَأما قُدَّام الْغَالِب عَلَيْهِ الْعُرُوق الشرايين فَإِذا برأَ فَإِن ذَلِك الْخَلْط مَال إِلَى بعض الْأَعْضَاء الشَّرِيفَة إِن
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute