للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

قَالَ حنين: نَحن نعطي بِحَسب بِلَادنَا هَذِه الجلاآت فَاعْلَم أَن إِعْطَاء مَاء الشّعير أول الْأَمر خير من أَن تَحْمِي العليل من كل شَيْء حَتَّى أَنه إِذا كَانَ يَوْم الْخَامِس وَالرَّابِع وَبَان لَك أَن قوته لَا تبقى إِلَّا بغذاء أَعْطيته حِينَئِذٍ وَقد قرب بحرانه لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ تكون قد أضعفت العليل وصميته حَيْثُ لم تحتج إِلَيْهِ واضطررت أَن تغذوه حِين يضرّهُ الْغذَاء وَيطول مَرضه وَذَلِكَ كُله يُؤْتى من الْجَهْل بمنتهى الْمَرَض فَانْظُر مَتى علمت أَنه يحْتَمل أَن يبْقى حَتَّى يَأْتِي الْمُنْتَهى فاحمه الْبَتَّةَ وَمَتى علمت أَن قوته تنْحَل أَن لم تعطه شَيْئا فأعطه بِقدر مَا يحْتَاج إِلَيْهِ بِحَسب الْقُوَّة وَطول الْمُنْتَهى وَأعْطِ بَعْضًا من أشربة وبعضاً من مَاء الشّعير وبعضاً من كشكة وَلَا تعط مَاء الشّعير وَلَا)

الْأَشْرِبَة إِلَّا بعد أَن تكون قد علمت بِمَا احْتَاجَ إِلَيْهِ أَن احْتَاجَ حقنة أَو فَتِيلَة أَو تسكين وجع أَو نَحْو ذَلِك.

قَالَ: فَالَّذِينَ يحْمُونَ العليل فِي الْأَيَّام الأول ثمَّ يعطونه الأغذية والأشربة بعد ذَلِك يعظم خطاؤهم عَلَيْهِ وخاصة الَّذين يُعْطون بعد ذَلِك الأغذية مثل الكشك نَفسه فَأَما من يعْطى مَاء الشّعير فخطاؤه أقل وَكَذَا من يعْطى الْأَشْرِبَة خطاؤه أقل إِلَّا إِنَّهُم يلحون أَن لَا يُعْطوا الأغذية أَنْفسهَا إِذا رَأَوْا الْقُوَّة قد خارت وَذَلِكَ أَنه إِنَّمَا كَانَ تدبيرهم ونظرهم فِي مُنْتَهى الْمَرَض فأسقطوا الْقُوَّة مُنْذُ أول الْأَمر لاستعمالهم خلاء الْعُرُوق فَلَمَّا علمُوا أَن الْمَرِيض لَا يحْتَمل أَن يبْقى أَقبلُوا يغذونه الْآن فينقلونه ضَرْبَة من حمية تَامَّة إِلَى اسْتِعْمَال الأغذية وَهَذَا الِانْتِقَال يضر الأصحاء جدا فضلا عَن المرضى. وَلِهَذَا براهين ذَكرنَاهَا فِي بَاب الْعَادَات وتدبير الأغذية.

قَالَ: فَلَيْسَ يَنْبَغِي إِذا أَن يسْتَعْمل خلاء الْعُرُوق بِغَيْر ترك الْغذَاء كثيرا فِي غير وقته وَلَا إِعْطَاء قَالَ: وَليكن إعطاؤك الْغذَاء بِحَسب الْحَال وَالْقُوَّة والمزاج وَالْوَقْت وبحسب خصب الْبدن أَيْضا واجمع من ذَلِك كُله شَيْئا يعْمل عَلَيْهِ وَقد بَينا ذَلِك.

قَالَ: فَأَما الْقُوَّة فَإِنَّهَا إِذا كَانَت ضَعِيفَة احْتَاجَت أَن تغذى قَلِيلا قَلِيلا مَرَّات كَثِيرَة وَيكون ذَلِك أوكد إِن كَانَ حَال الصِّحَّة مُعْتَادا لِأَن يتغذى مرَّتَيْنِ فِي الْيَوْم. فَأَما شدَّة الْقُوَّة فَيجوز مَعهَا أَن تثقل الْغذَاء وَأَن تَجْعَلهُ مرّة وخاصة إِن كَانَت الْعَادة جرت بِأَنَّهُ يَأْكُل مرّة فِي الْيَوْم وَكَذَا سرعَة الانحلال ورقة الأخلاط تدل على التغذية وبالضد.

قَالَ: وَإِذا لم تقف بِالْحَقِيقَةِ على مِقْدَار مَا تَقْتَضِي الْقُوَّة من الْغذَاء فَكُن إِلَى النُّقْصَان أميل مَا دَامَ الْمَرَض لم ينضج وَالْمَرِيض مُحْتَمل لِأَن الزِّيَادَة يحدث مِنْهَا ضَرَر لَا تلْحقهُ وَأما النُّقْصَان فَإِن رَأَيْت الْقُوَّة قد خارت وأمكنك أَن تغذي فغذه فَإِن كثيرا من المرضى يغذون يَوْم الْحمى وَمن غَد خبْزًا منقعاً فِي شراب وَمَاء أَو يحسون بعض الأحساء مِمَّن يُمكن فيهم أَن يبقوا بِلَا غذَاء إِلَى أَن يَجِيء البحران ثمَّ يمتنعون عَن الْغذَاء بعد وَهَؤُلَاء لَو لم يُعْطوا ذَلِك لَكَانَ خيرا لَهُم وَلَكِن هَذَا التَّدْبِير على حَال وَإِن لم يكن جيدا أَجود من أَن تجيعهم أَيَّامًا وتغذيهم بِقرب الْمُنْتَهى قبل النضج وَذَلِكَ إِن هَؤُلَاءِ يموتون على الْأَكْثَر إِلَّا أَن يكون

<<  <  ج: ص:  >  >>