دخل الشتَاء فَيجب أَن يعرض للنَّاس وجع الرَّأْس وَمرض الدِّمَاغ الْمُسَمّى سقاقلوس وسعال ونوازل وسل وزكام وَهَذَا القَوْل كذب على أبقراط.
قَالَ: إِذا كَانَ الصَّيف يَابسا جنوبياً والخريف كثير الأمطار شمالياً عرض للنَّاس فِي الشتَاء وجع الرَّأْس وسقاقلوس فِي الدِّمَاغ وسعال ونوازل وبحوحة وزكام والسل أَيْضا لبَعْضهِم.
قَالَ: الصَّيف الْيَابِس الجنوبي يكون إِذا لم يكن مطر وَلم تهب مَعَ ذَلِك ريَاح والرؤوس فِي ذَلِك حارة غير رطبَة فَإِذا كَانَ الخريف بعد ذَلِك بَارِدًا رطبا بِقدر انْتفع بِهِ بعض النَّاس لِأَنَّهُ يرد مزاج الدِّمَاغ إِلَى الِاعْتِدَال وَإِن كَانَ مفرطاً فِي الْبرد والرطوبة أضرّ بِبَعْض النَّاس لِأَن الرؤوس تكون سخيفة من الصَّيف الجنوبي فَإِذا أقبل الشتَاء أَصَابَهُم فِيهِ علل بَارِدَة وَمَا ذكر كُله وَأما سقاقلوس فِي الدِّمَاغ فَإِنَّهُ لإفراط العفونات فِي الدِّمَاغ يخرج عَن الِاعْتِدَال خُرُوجًا كثيرا.
وَإِذا كَانَ الصَّيف شمالياً يَابسا صَحَّ أَصْحَاب البلغم وَالنِّسَاء وَعرض لأَصْحَاب الصَّفْرَاء رمد)
يَابِس وحميات حارة مزمنة وَمرَّة سَوْدَاء لِأَن صفراءهم تحترق وَكَذَا دِمَاؤُهُمْ.
الصَّيف أَكثر أمراضاً من الشتَاء والخريف من الرّبيع وَذَلِكَ أَنه يكون يكثر فِيهِ المرار وتضعف الْأَبدَان بِكَثْرَة مَا ينفش مِنْهَا وَيكثر النَّاس أكل الْفَوَاكِه وَشرب المَاء.
قَالَ: ودع الكلى والبط والإسهال والقيء فِي تغاير الْفُصُول القوية.
قَالَ: كل مَدِينَة فَإِنَّهَا تهب عَلَيْهَا الرِّيَاح الْمُقَابلَة لَهَا فَإِن المدن الجبلية تَتَغَيَّر من أجل الْجبَال وَلَو لم يكن بَينهَا إِلَّا غلوة وَاحِدَة لِأَن الْجَبَل رُبمَا يستر بعض النواحي عَن قَرْيَة وينكشف عَن مَدِينَة فتخالف الْقرْيَة الْمَدِينَة.
قَالَ: وَالِاخْتِلَاف الْعَظِيم يكون للعرض كالحال فِي بِلَاد التّرْك والنوبة.
الثَّالِثَة: المدن المعتدلة فِي الْحر وَالْبرد يكثر فِيهَا الْحَيَوَان والنسل ويزكو النَّبَات وَتَكون شَهْوَة الباه فيهم غالبة وتعظم جثث الْحَيَوَان وَتَكون حَسَنَة.
لى: إِذا كَانَت الْبِلَاد مستوية لَيست كَثِيرَة الانخفاض وَلَا الِارْتفَاع كَانَ تغاير الْفُصُول فِيهَا يَسِيرا وبالضد فَإِن الْمَوَاضِع الشامخة يشْتَد فِيهَا الْبرد فِي الشتَاء والغائرة تكون كنينة. فَأَما فِي الصَّيف فالغائرة تكون رمدة والمرتفعة طيبَة لِكَثْرَة هبوب الرِّيَاح.
والبلدان الرّطبَة الْبَارِدَة المزاج تصير أبدان أَهلهَا عَظِيمَة شحمية لَا يتَبَيَّن لَهُم عرق وَلَا مفصل.
الْبلدَانِ الواغلة فِي الشمَال لَا تكَاد تبلغ إِلَيْهَا الرِّيَاح الجنوبية إِلَّا وَقد ضعفت وبالضد. الْبلدَانِ الْبَارِدَة تجْعَل أَهلهَا أَشْجَع اضطراراً والبلدان المعتدلة تجعلهم أهل توان وكسل وَخَوف.
أهل الْبلدَانِ الشامخة الجبلية أحسن وَأقوى من أهل الْبلدَانِ الغائرة لأَنهم يشربون مياهاً طيبَة صَحِيحَة ويتنسمون هَوَاء صافياً نقياً وتهب عَلَيْهِم ريَاح كَثِيرَة وَالشَّجر النَّابِت فِيهَا أقوى وَأَصَح وَسكن الأغوار تهب عَلَيْهِم ريَاح حارة مَا لَا تهب الْبَارِدَة