فَإِن جَاءَ فِي هَذِه السّنة فِي وَقت طُلُوع الْكَوَاكِب مطر وشمال كثير رُجي أَن تنْحَل الْأَمْرَاض وَيكون الخريف صَحِيحا وَإِلَّا فَشَا الْمَوْت فِي الصّبيان وَفِي النِّسَاء ضَرُورَة وَيكون فِي الْمَشَايِخ أقل لِأَن الصّبيان وَالنِّسَاء مزاجهم رطب وَيَنْبَغِي لمن خيف عَلَيْهِ الْمَرَض فِي ذَلِك الْوَقْت أَن يبرد بدنه وَيحسن تَدْبيره.
قَالَ: وَمن ينج من الْمَوْت من النِّسَاء وَالصبيان يَقع فِي حمى الرّبع وَمن الرّبع فِي جمع المَاء الْأَصْفَر لِأَن الحميات تحرق فيهم فَتَصِير سَوْدَاء والحمى الرّبع إِذا تطاولت آلت لي المَاء الْأَصْفَر.
فَإِذا كَانَ الشتَاء جنوبياً مطيراً دفيئاً وَالربيع شمالياً بَارِدًا فالحوامل يسقطن فِي الرّبيع واللواتي يلدن مِنْهُنَّ يلدن أطفالاً ضعافاً. فإمَّا أَن يموتوا وَإِمَّا أَن يعيشوا مسقامين لعلل قد فسرت فِي كتاب الْفُصُول.
قَالَ: وَأما سَائِر النَّاس فَيعرض لَهُم فِي هَذَا التَّغَيُّر اخْتِلَاف الْأَعْرَاض ورمد يَابِس ونوازل من الرَّأْس إِلَى الرئة فَأَما النِّسَاء وَأَصْحَاب الأمزجة الرّطبَة فَيعرض لَهُم اخْتِلَاف الْأَعْرَاض لِأَن البلغم الْمُجْتَمع فِي رؤوسهم قي الشتَاء ينزل إِلَى بطونهم. وَأما أَصْحَاب الصَّفْرَاء فَيعرض لَهُم رمد. وَأما الشُّيُوخ فتعرض لَهُم نَوَازِل فِي عصبهم فَرُبمَا مَاتُوا فَجْأَة وَرُبمَا جف مِنْهُم الْجَانِب الْأَيْمن لِأَن الشتَاء الجنوبي لايصلب الْأَبدَان فَيدْخل الرّبيع بِبرد فيحفظ مَا فِي الرؤوس وَلَا يحلله فَإِذا جَاءَ)
الصَّيف عظم التَّغَيُّر فَلذَلِك يعرض مَا ذكرنَا.
وَمَا كَانَ من الْبلدَانِ تجاه الْمشرق ورياحه سليمَة ومياهه عذبة فَإِن الْمَدِينَة قَلما يَضرهَا تغير الْهَوَاء لجودة هوائها واعتدال سكانها.
كل مَدِينَة لَيست تجاه الْمشرق وَيشْرب أَهلهَا مَاء مالحاً وبطائحها ورياحها غير سليمَة فَإِن تغير الْهَوَاء يعظم ضَرَره فِيهَا لِأَن أبدانهم تسرع إِلَى قبُول الْآفَات.
إِذا كَانَ الصَّيف يَابسا شَدِيد الْحر ذهبت الْأَمْرَاض سَرِيعا فَإِن كَانَ كثير الأمطار طَالَتْ الْأَمْرَاض آلت القروح فِيهِ إِلَى الآكلة كثيرا لِأَن أخلاط الْبدن تكون قد عفنت جدا ويعرض زلق الأمعاء ولين الْبَطن وَالْمَاء الْأَصْفَر وَذَلِكَ يكون لِأَن الْبَطن يكون سهلاً جدا وَلَا يجِف ويدوم فَإِذا كثر الِاخْتِلَاف برد الْبدن كُله واستسقاء وزلق الأمعاء ولين الْبَطن تعرض من دوَام سيلان الرطوبات من الرَّأْس.
إِذا كَانَ الصَّيف كثير الأمطار جنوبياً والخريف كَمثل مَا كَانَ الشتَاء ضَرُورَة سقيماً تعرض للمبلغمين والشيوخ وَأَبْنَاء أَرْبَعِينَ سنة حمى لهبة محرقة ويعرض لأَصْحَاب الصَّفْرَاء ذَات الْجنب ووجع الرئة.
قَالَ ج: هَذَا الْكَلَام مضاد للعيان وَلما يظْهر دَائِما وَلقَوْله فِي كتاب الْفُصُول وَذَلِكَ لِأَن فِي الْأَزْمِنَة الحارة الرّطبَة تعفن الأخلاط فَإِذا كَانَ الصَّيف والخريف حارين رطبين ثمَّ