الإكباب على صناعته أَكثر مِمَّا أفناه أُولَئِكَ الْمَشَايِخ وَإنَّهُ لما عالجهم برِئ على ألف ي يَدَيْهِ من لم يبرأ على يَدي وَقَالَ فِي الرَّابِعَة من السَّادِسَة: يجب أَن لَا يكون الطَّبِيب فظاً غليظاً حَتَّى يبغضه الْمَرِيض وَلَا يكون ملقى خدوماً حَتَّى يتهاون بِهِ لَكِن تكون لَهُ من الْجَلالَة فِي عين الْمَرِيض مَا لَا يعصيه ويساعده فِي بعض الْأَحْوَال طلبا لمساعدته والتقرب من قلبه حَتَّى يصير بَين الْحَالين واستعن بِهَذِهِ الْمقَالة فَإِن فِيهَا أَشْيَاء يجب أَن يستعان بهَا.
من محنة الْأَطِبَّاء قَالَ: قد يكون الطَّبِيب يتَعَلَّم هَذِه الصِّنَاعَة وَلم يرتض فِيهَا على مَا يجب أَعنِي يتَعَاهَد خدمَة المرضى فيقصر عَمَّا يبلغهُ المرتاض فَأَما من لم يستعملها أَعنِي من الْكتب فَلَيْسَ يُمكن أَن يتعرف ذَلِك فِي المرضى وَأما من قَرَأَ فخليق أَن يُصِيب الْأَوْقَات الَّتِي يجب أَن يسْتَعْمل فِيهَا كل وَاحِد من هَذِه.
قَالَ: واسأله أَيْن ذكر أبقراط وَغَيره الْأَشْيَاء الَّتِي تدل على تقدمة الْمعرفَة وصواب العلاج فَإِن ذكرهَا فسله عَن مُخَالفَة القدماء بَعضهم لبَعض وموافقتهم.
قَالَ: فَأول شَيْء تسأله عَنهُ التشريح وَمَنَافع الْأَعْضَاء وَهل عِنْده علم بِالْقِيَاسِ وَحسن فهم ودربة فِي معرفَة كتب القدماء فَإِن لم يكن عِنْده ذَلِك فَلَيْسَ بك حَاجَة إِلَى امتحانه فِي المرضى وَإِن كَانَ عَالما بِهَذِهِ الْأَشْيَاء فامتحن أَعماله حِينَئِذٍ فِي المرضى فَمَتَى رَأَيْته يُبرئ بالأدوية مَوَاضِع تحْتَاج إِلَى غير الْأَدْوِيَة فَذَلِك الطَّبِيب.
من كِتَابه فِي أَن ٣ (الطَّبِيب الْفَاضِل فيلسوف) قَالَ: وَيحْتَاج الطَّبِيب أَن يعرف الهندسة والنجوم وَإِلَّا لم يعرف تَقْسِيم الْأَزْمِنَة وَحَال الْبلدَانِ وَيحْتَاج أَن يعرف الْمنطق وَإِلَّا لم يحسن تَقْسِيم أَجنَاس الْأَمْرَاض إِلَى أَنْوَاعهَا ألف ي وَلَا يعرف صَوَاب من أصَاب وَخطأ من أَخطَأ مِمَّن دبر تدبيرين مُخْتَلفين وَيحْتَاج أَن يعرف تقدمة الْمعرفَة وَيحْتَاج أَن يكون متكلماً حسن الْعبارَة وَيجب أَن يكون درباً بكتب أبقراط فهما بهَا.
قَالَ: وَلَيْسَ يمْنَع من عني فِي أَي زمَان كَانَ أَن يصير أفضل من أبقراط وَلَا يُمكن أَن يتدرب بِهَذِهِ الصِّنَاعَة المغرم بالشهوات.
وَقَالَ: إِن أبقراط طلبه أردشير بن بابك فَلم يجب إِلَى الْخُرُوج عَن بَلَده إِلَى الْفرس فَلَمَّا ألح عَلَيْهِ ملك اليونانيين فِي الْخُرُوج قَالَ لَهُ أبقراط: لست أبذل الْفَضِيلَة بِالْمَالِ.
من أَجزَاء الطِّبّ قَالَ: لَا يُمكن أَن يعالج علاج صَوَاب حَتَّى يعرف تركيب الْبدن وَذَلِكَ يعرف من التشريح وَيعرف من البحران وأيامه والمزاج والأسطقسات وَمَنَافع الْأَعْضَاء وتشريح الْأَحْيَاء والمزاج والقوى الطبيعية وَهَذِه كلهَا مُقَدّمَة الشِّفَاء.
أبقراط من كِتَابه فِي الطِّبّ الْقَدِيم قَالَ: يحْتَاج الطَّبِيب إِلَى تعلم طَوِيل وَطلب