بَاب محنة الطَّبِيب وخلقه وزيه وَسَائِر مَا يحْتَاج ألف ي إِلَيْهِ أَن يكون عَلَيْهِ وَسيرَته فِي مُعَامَلَته للنَّاس قَالَ أَبُو بكر مُحَمَّد بن زَكَرِيَّا الرَّازِيّ: لست أرى أَن الإغراق فِي وصف محنة الطَّبِيب كَمَا وَصفه قوم كثير بِنَافِع لَا للمتحن وَلَا للمثخن وَذَلِكَ أَن الَّذِي يروم من الطَّبِيب أَن يبين لَهُ أَن يُمَيّز النبض بَين الرِّجَال وَالنِّسَاء والخصيان وَالصبيان قد طلب أمرا غير مُمكن فِي الْأَكْثَر وَجَاوَزَ الْحَد الَّذِي يحْتَاج إِلَى مَعْرفَته الطَّبِيب من أَمر النبض وَأَنا أعلم يَقِينا أَنه لَو امتحن ابْن ماسويه الْكَاتِب هَذَا فِي كِتَابه بِهَذِهِ المحنة لكَانَتْ حيرته فِيهَا أَشد وَأكْثر من حيرة الْأَعْمَى فِي التَّفْرِقَة بَين الْأَشْيَاء الَّتِي تدْرك بِآلَة الْبَصَر.
وَجُمْلَة أَقُول إِن هَذَا شَيْء لَا يصغي إِلَيْهِ عَاقل الْبَتَّةَ وَلَيْسَ فِي صناعَة النبض وَلَو استغرقت كمالاً بِمِقْدَار طَاقَة الْإِنْسَان ذَلِك على تَحْقِيق الْبَتَّةَ اللَّهُمَّ إِلَّا بحدس ضَعِيف لَا يجوز لمتوق أَن يُطلق بِهِ لِسَانا أَو يعْقد عَلَيْهِ ضميراً فَإنَّك قد تَجِد نسَاء كثيرا نبضهن أعظم وَأقوى من نبض رجال كثيرين وَكَذَلِكَ قد تَجِد خصياناً فِي مثل هَذِه الْحَال فَأَما نبض الصّبيان فَإِنَّهُ لَا يحْتَاج أَن يعرف إِذْ كَانَ حس أبدانهم لَيْسَ يخفي على ذِي حاسة قد كره فضول هَذَا القَوْل وَهَذَا لَا يحْتَاج إِلَيْهِ وَلَا يَقع تَحْتَهُ.
وَكَذَلِكَ أرى أَن الممتحن للطبيب بالتفرقة بَين مَاء الْإِنْسَان وَبَعض الْمِيَاه الَّتِي قد شبهت بِهِ جَاهِل وَذَلِكَ أَن الطَّبِيب ينظر فِي المَاء فِي الْأَكْثَر إِلَى اللَّوْن والقوام وَمَا يتخيل مِنْهُ يحس الْبَصَر وَلَا يذوقه وَلَا يشمه فِي الْأَكْثَر فَإِذا شبه عَلَيْهِ فِي هَذَا الْبَاب الَّذِي ينظر فقد برِئ من اللائمة.
وَلَيْسَ فِي غَايَة هَذَا الْعلم أَيْضا التَّفْرِقَة بَين الْبَوْل من جَمِيع الْأَشْيَاء المشبهة لَهُ نظرا وَالَّذين كتبُوا فِي التَّفْرِقَة بَين هَذَا راموا أَن يبينوا ذَلِك ويحدوه جهال بِهَذِهِ الصِّنَاعَة وَالَّذِي يحْتَاج أَن يمْتَحن بِهِ الطَّبِيب من النبض أَن يفرق بَين القوى والصلب ولبين الصَّغِير والضعيف وَبَين المستوي والمتخلف وَأَن يحس بالتغايير الْعِظَام الَّتِي تحدث ويمكنه أَن يحفظ صُورَة النبض الطبيعي مِمَّن قد أَكثر حَبسه فِي نَفسه ويخبر عَن تَغْيِيره إِذا حدث فِيهِ تَغْيِير عَظِيم فَهَذَا قدر لَا بُد مِنْهُ وَلَا)
يكون طَبِيبا الْبَتَّةَ إِلَّا بِهِ.
وَله بعد من الْفَضَائِل فِيهِ أَبْوَاب كَثِيرَة وَيجب أَن يمْتَحن مِنْهُ رجل عَالم بالنبض.
وَأما فِي المَاء فحبسه أَن يكون عَالما بالرسوب وأنواعه والقوام والألوان على مَاذَا تدل
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute