فِي الْأَكْثَر مِمَّا قد علم بالتجربة وَالْقِيَاس نَحْو الْعلم بِأَن مياه الفاسدي المزاج على الْأَكْثَر وسخة غَلِيظَة مسبهة لمياه الحبالي وَأَن المَاء الْأَبْيَض الرَّقِيق دَال على عدم النضج فِي الْأَكْثَر وَقد تكون لَهُ أَسبَاب غير هَذِه.
وَإِن الرسوب مِنْهُ مَا يدل على الْكُلِّي كالرمل الْأَحْمَر وَقطع اللَّحْم وَمِنْه مَا يدل على المثانة كالنخالة فِي المَاء وَمِنْه مَا يدل على جِرَاحَة كالمدة وَمِنْه مَا يدل على خلط فِي كالرسوب الخامي.
والرسوب الْمُنْذر بطول الْمَرَض وسلامته وَالْمُنْذر بِالْخَيرِ وَالشَّر وَكَذَلِكَ يسْأَل عَن القوام واللون والطعم وَالرِّيح وَعَن الْبَوْل مَا هُوَ وَمِمَّا ينْفَصل وَمن أَيْن يَأْخُذ الصَّبْغ وَنَحْو ذَلِك مِمَّا يجب فِي هَذَا الْأَمر من المسائلة فَإِن هَذَا مِقْدَار لَا يكون بِهِ طَبِيبا الْبَتَّةَ إِلَّا بِهِ وَله بعد فضل علم كَبِير على مِقْدَاره يكون فَضله فِي صناعته اللَّهُمَّ إِلَّا أَن ينتحل صناعَة التجربة فَقَط فَإِن هَذَا يجب أَن يسْأَل عَمَّا يدل عَلَيْهِ وَينْتَفع بِهِ دون سَائِر الْأَسْبَاب.
وَأما من انتحل الْقيَاس فَأول مَا يجب أَن يمْتَحن بِهِ هَل لَهُ معرفَة بالْكلَام وَالْحجاج وَمَا لَهُ وَعَلِيهِ وَأَيْنَ مبلغه من ذَلِك فَإِنَّهُ على قدر ذَلِك تكون قوته فِي التَّعَلُّق بالطب القياسي.
وَأكْثر مَا أرى أَن يمْتَحن بِهِ الطَّبِيب فِي الحميات والأمراض الحادة والبحارين ألف ي وأيامها وَيسْأل كَيفَ يفرق بَين أَنْوَاع الْحمى من أول دورها وَكَيف تميز المركبة فَإِنَّهُ يدل على قدر عنايته لذَلِك تكون فضلته ومعرفته وَجُمْلَة كَافِيَة أَقُول إِنَّه يجب أَن يوثق بِهِ فِي الْأَكْثَر.
أما من يعْمل على طَرِيق التجارب فأكثرهم تجربة وأطولهم خدمَة وزماناً فِي الصِّنَاعَة وَلَا يقْتَصر على طول الزَّمَان فَقَط لِأَنَّهُ يُمكن أَن يبلغ فِي الزَّمن الْقَلِيل الْفَتى الْحَدث مَا لَا يتهيأ بُلُوغه فِي الزم الطَّوِيل الْمَعْرُوف بِكَثْرَة عناية العلاج والمرضى الْمُؤثر برهم على الِاكْتِسَاب.
وَأما من يزْعم أَنه طَبِيب قياسي فأعلاهم رُتْبَة فِي الْكَلَام والجدل والمنطق والطبيعيات والتعاليم وَلَا يقْتَصر مِنْهُ على ذَلِك وَحده بل تكون لَهُ مَعَ هَذَا دربة واحتيال كثير ومراعاة للمرضى وخدمة كَثِيرَة حَتَّى لَا يقصر عَن أحد من المجربين فِيمَا ظهر بالتجربة ويفضلهم)
بِالْقِيَاسِ وَهَذَا الرجل هُوَ الطَّبِيب الْفَاضِل وَلَا يكَاد يخفي أمره لِأَنَّهُ يرى دَائِما نصبا تعباً فِي النّظر والبحث تَارَة وَفِي مزاولة الْعَمَل أُخْرَى لَا يهنئه شَيْء غَيره وَلَا يلتذ إِلَّا بِهِ وَلَا يقوم شَيْء من أَعْرَاض الدُّنْيَا مقَام مَا قد آثره وَمَاله إِلَيْهِ فَإِن لم يجْتَمع هَذَا لرجل وَاحِد فَيجب للمعنى بِأم الطِّبّ أَن يجمع رجلَيْنِ أَحدهمَا فَاضل فِي الْفَنّ العلمي من الطِّبّ وَالْآخر كثير الدربة والتجربة والصدر عَن اجْتِمَاعهمَا فِي أَكثر الْأَمر فَإِن اخْتلفَا فِي شَيْء فليعرض مَا اخْتلفَا فِيهِ على كثير من أَصْحَاب التجربة فَإِن أَجمعُوا جَمِيعًا على مُخَالفَة صَاحب النّظر قبل مِنْهُم فَإِن الشكوك المبطلة تقع فِي الْأَكْثَر فِي الْفَنّ العلمي النظري أَكثر مِنْهُ فِي التجربة فَإِن