لم يتهيأ لَهُ إِلَّا أحد هذَيْن الرجلَيْن فليتخير المجرب فَإِنَّهُ أَكثر نفعا فِي صناعَة الطِّبّ من العاري من الْخدمَة والتجربة الْبَتَّةَ وليمتحن بِمَعْرِِفَة ألف ي صور الْعِلَل والتفريق بَعْضهَا من بعض.
مِثَال ذَلِك أَن يفرق بَين وجع الكلى ووجع القولون ووجع ذَات الْجنب من ذَات الرئة وَالِاخْتِلَاف الَّذِي من الكبد من قُرُوح الأمعاء وَبَوْل الدَّم وشبههما الَّتِي من الأعالي من الَّتِي من الأسافل وَالْفرق بَين ضروب الدَّم الْخَارِج من الْفَم بَعْضهَا من بعض وَنَحْو ذَلِك والتمييز بَين الخراجات بَعْضهَا من بعض والردية والمزمنة والسريعة الْبُرْء وَمَا قد حصل مِنْهَا فِيهَا شَيْء وَمَا لم يحصل وَأي نوع هُوَ الْحَاصِل فِيهَا والتفرقة بَين أشكال الْأَعْضَاء الطبيعية والأشكال الواهنة والزائلة فَإِنَّهُ لَا يكون طَبِيبا الْبَتَّةَ حَتَّى يكون صَوَابه فِي هَذَا أَكثر من خطائه كثيرا وعَلى قدر قلَّة خطائه كَذَلِك يكون فَضله ثمَّ ليسأل عَن دَلَائِل الأمزاج أمزاج النَّاس والأعضاء وَعَن طبع طبائع الأغذية والأدوية فَإِن التَّوَسُّع فِي ذَلِك دَال على فضل وبالضد.
وَكَذَلِكَ فليمتحن فِي الْمعرفَة بأزمان الْأَمْرَاض وتغيير العلاج فِي زمَان زمَان ويحسب نوع نوع فَإِن هَذَا مِمَّا لَا يَسعهُ أَن يكون طَبِيبا إِلَّا بمعرفته. ٣ (امتحانه بِمَعْرِِفَة العقاقير) فَأرى أَنَّهَا محنة ضَعِيفَة وَذَلِكَ لِأَن هَذِه صناعَة هِيَ بالصيدلاني أولى مِنْهَا بالطبيب إِلَّا أَن نقصر مَعْرفَته بالكثيرة الِاسْتِعْمَال مِنْهَا فَيدل على قلَّة علمه ومزاولته ودربته.
فَأَما الْمُطَالبَة بِمَعْرِِفَة الْغَرِيب النَّادِر مِنْهَا وَالْفرق بَين الْجيد والرديء مِنْهَا فَلَيْسَ ذَلِك خَالِصا بصناعة الطِّبّ وَيُمكن أَن يكون طَبِيبا فَاضلا مقصراً عَن كثير من جلابي العقاقير فِي هَذَا الْبَاب وَعَلِيهِ أَن يعرف حمى يَوْم من أَولهَا فِي أَكثر الْأَمر وينذر بِأَنَّهَا لَا تعود وَيدخل أَصْحَابهَا الْحمام وَيَأْذَن لَهُم فِي الْغذَاء وَالتَّصَرُّف وَيعرف ويصيب فِي أَكثر زمَان الْأَمْرَاض والبحارين ليمكنه ألف ي الْغذَاء بحبسه وَأَن يُبرئ الطَّبِيب بالأدوية مَا يعالج بالحديد دَلِيل على فَضله وَكَذَلِكَ إِذا أَبْرَأ الأدواء الغليظة كداء الْفِيل وَالْحِجَارَة فِي الْكُلِّي والمثانة والأورام الصلبة فِي المفاصل والدوالي والنواصير من غير كي فَذَلِك دَلِيل على نَفاذ مَعْرفَته بالأدوية وفضله فِي العلاج من إِيمَان أبقراط: الشكل الَّذِي يحْتَاج أَن يكون عَلَيْهِ الطَّبِيب يجب أَن تكون الْفرج الَّتِي تكون فِيمَا بَين أَصَابِعه وَاسِعَة وإبهامه مُقَابل السبابَة.