واقتران العلم بالعمل من أهم المبادئ التي صبغت فلسفة التعليم في الإسلام فيما يشبه البراجماتيكية المعاصرة في عمليتها، ويخالفها في ماديتها ونفعيتها، وقد ولَّد هذا الطابع العملي آثاراً تربوية عميقة، وأثمر حضارة باهرة شاركت في بناء صرح التمدن البشري.
إن تقاليد التعليم عند المسلمين مدينه لذلك العصر بمبدأ "التعليم المستمر" طوال الحياة، وهكذا انقطع رجال كثيرون للعلم من المهد إلى اللحد، ويندر أن نجد عالماً ترك التعلم أو اعتقد أنه وصل إلى الكمال. ولو استمر هذا المبدأ يسيطر على حياتنا الثقافية حتى الوقت الحاضر لكان لنا شأن آخر في الحركة الثقافية العالمية.
وقد اهتم الاسلام بتعليم الكبار "فكان الصحابة يتعلمون في كبر سنهم" ولكن الأصل هو البدء بالتعلم عند الصغر، غير أن من فاته ذلك يلقى الباب مفتوحاً أمامه. ومن أبرز خصائص التعليم في ذلك العصر قيامه على الجهود الفردية، فمبدأ "التعلم الذاتي" كان مهيمناً على نشاط العلماء والمتعلمين، حيث ظل العلماء قروناً طويلة يقومون بتعليم أنفسهم بجهودهم الخاصة، دون الارتباط بمؤسسات التعليم، أو تلقي الحوافز التشجيعية من الدولة. والجدير بالذكر أن مبدأ "تراكم المعرفة" و"تجميع العلم" كان من خصائص الحركة الفكرية في القرون الأولى عن طريق تنويع مصادر التلقي والأخذ عن الشيوخ الكثيرين، والرحلة في طلب العلم لتجميعه. تلك الرحلة التي بدأت في عصر الراشدين واتسع نطاقها في القرون التالية، والتي أثمرت التجانس الفكري، والتلاقح الأدبي، والحفاظ على وحدة الهوية الثقافية. كما أثمرت- فيما بعد- الدراسات المتعلقة بالبلدان والسكان والجغرافية والانثروبولوجيا.
إن هذه السمات العامة لبداية التعليم في الإسلام تدعمها النصوص المبعثرة في المصادر التراثية وهي مصادر تحتاج إلى قراءات معاصرة تقف على قيم التعليم وتقاليده في عصر السيرة والراشدين وما بعده من عصور التاريخ الاسلامي، وتحدد