للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقالت عائشة رضي الله عنها لعبيد بن عمير: "ألم أحدث أنك تجلس ويجلس إليك؟ قال: بلى. قالت: فإياك وإملال الناس وتقنيطهم" (١).

واحترام الحرف العربي حامل الوحي الإلهي كان مستقراً في نفوس أهل ذلك العصر، فالقرآن الكريم مكتوب به، وأحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم أيضاً، وقد استمر هذا الاحترام لدى الناس قروناً طويلة، بل لا زالت آثاره قائمة في حياتنا، عندما يرفض بعض الناس رمي الكتابة العربية على الأرض.

قيل لأنس بن مالك الصحابي الجليل رضي الله عنه (ت (٩٣) هـ): "كيف كان المؤدبون على عهد الأئمة: أبي بكر وعمر وعثمان وعلي- رضي الله عنهم-؟ قال أنس: كان المؤدب له أجانة (٢)، وكل صبي يأتي كل يوم بنوبته ماء طاهراً، فيصبونه فيها، فيمحون به ألواحهم. قال أنس: ثم يحفرون حفرة في الأرض، فيصبون ذلك الماء فيها فينشف. قلت: أفترى أن يلعط؟ (٣) قال: لا بأس به، ولا يمسح بالرجل، ويمسح بالمنديل وما أشبهه. قلت: فما ترى فيما يكتب الصبيان في الكتاب من المسائل؟ قال: أما ما كان من ذكر الله فلا يمحوه برجله، ولا بأس أن يمحو غير ذلك مما ليس في القرآن" (٤).

فهذه الصورة الرائعة تعبر أصدق تعبير عما كان في نفوس أبناء ذلك العصر من احترام للحرف العربي عندما يكتب به الوحي الإلهي، فيختارون الماء الطاهر لمسحه ويحفرون له في الأرض ويصبونه لينشف.


(١) الخطيب: الجامع ٢: ١٢٨.
(٢) إناه من فخار يوضع فيه الماء.
(٣) يلعط: يلطع، أي يلحس، وهو مقلوب.
(٤) ابن سحنون: آداب المعلمين ٤٠ - ٤١.

<<  <   >  >>