للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

كما تبين هذه الرواية وجود الكتاتيب والمؤدبين في عصر الراشدين واستخدام الألواح في التعليم.

وقد ترك خروج الصحابة من المدينة إلى الأمصار مع جيوش الفتح تأثيراً بالغاً في انتشار العلم، وتفرق العلماء، وقد ظهرت تقاليد علمية استمرت راسخة لقرون طويلة، وتركت آثاراً عميقة في تواصل الحركة العلمية في أرجاء العالم الاسلامي، وفي توحيد الآداب والمناهج والتقاليد العلمية، وفي التقريب بين وجهات نظر العلماء الأخرى، وفي إعادة تجميع العلم المنتشر، تلك هي الرحلة في طلب العلم. فقد سار جابر بن عبد الله شهراً حتى قدم الشام ليسمع حديثاً واحداً لم يسمعه من قبل، كان سمعه عبد الله بن أنس رضي الله عنه من رسول الله صلى الله عليه وسلم (١) ورحل إلى مصر للقاء مسلمة بن مخلد رضي الله عنه لسماع حديث بلغه عنه (٢).

وقال الحارث بن معاوية الكندي إنه ركب إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه ليسأله عن ثلاث خلال، فقدم المدينة، فقال له عمر رضي الله عنه: ما أقدمك عليَّ؟ قال: لأسألك عن ثلاث. قال: وما هنَّ؟ قال: ربما كنت أنا والمرأة في بناء مبني، فتحضر الصلاة، فإن صليت أنا وهي كانت بحذائي، وإن صلت خلفي خرجت من البناء. فقال عمر رضي الله عنه: تستر بينك وبينها بثوب ثم تصلي بحذائك إن شئت قال: وعن الركعتين بعد العصر؟ فقال: نهاني عنهما رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال: وعن القصص، فإنهم أرادوني على القصص؟ فقال: ما شئت. كأنه كره أن يمنعه. قال: إنما أردت أن أنتهي إلى قولك. قال: أخشى عليك أن تقص، فترفع


(١) البخاري: الصحيح ١: ٢٩، والخطيب: الجامع ٢: ٢٢٥، وابن عبد البر: جامع بيان العلم وفضله ١: ٩٣.
(٢) الخطيب: الرحلة في طلب الحديث ٥٦.

<<  <   >  >>