للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الانشقاق، ويدل على سريان الدعوة الخارجية وحيازتها لأعداد جديدة ... كما نظموا أنفسهم بزعامة عبد الله بن الكراء وشبث بن ربعي (١)، وعينوا أميراً للصلاة وآخر للقتال. وهذا التطور الأخير جعل ابن عباس يستأذن علياً في محاورتهم في إحدى اجتماعاتهم الضخمة في حروراء، وقد وصلهم في نصف النهار ووصفهم بقوله: "دخلت على قوم لم أر قوماً قط أشد اجتهاداً منهم، أيديهم كأنها ثفن الإبل ووجوههم معلمة من آثار السجود"، وكان رجلاً جميلاً جهيراً، فرحبوا به، ثم حاججهم في الشبهات التي علقت بأذهانهم نتيجة تفسيرهم للقرآن دون بصيرة موضحاً لهم أن التحكيم نص عليه القرآن (٢) وأن محو لقب أمير المؤمنين من نص وثيقة الهدنة له سابقة من السنة في حادثة الحديبية، وأن قتال علي لمخالفيه دون أن يستحل أموالهم وأعراضهم هو الحكم الشرعي الصحيح، فرجع منهم ألفان بعد أن تبين لهم الحق (٣). وأبرز من رجع زعيمان منهم هما عبد الله بن الكراء وشبث بن ربعي (٤). ولم يكن فيهم أحد من الصحابة رضوان الله عليهم.


(١) - خليفة: التأريخ ١٩٢ بسند صحيح، وابن عساكر: تأريخ دمشق (ترجمة عبد الله بن أبي أوفى ٣٩٥، ٣٩٨ من مرسل الزهري.
(٢) - قوله تعالى في المرأة وزوجها: (وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكماً من أهله وحكماً من أهلها) النساء ٣٥. وقوله تعالى في جزاء المحرم إذا صاد: (يا أيها الذين آمنوا لا تقتلوا الصيد وأنتم حُرُم ومن قتله منكم متعمداً فجزاء مثل ما قتل من النعم يحكم به ذوا عدل منكم) المائدة ٩٥. وقد أوضح ابن عباس أن صلاح ذات البين وحق الدماء بين المسلمين أولى بالتحكيم من هاتين الصورتين، صلح المرأة مع زوجها، وحكم صيد المحرم لأرنب أو ما يشبهه ...
(٣) - عبد الرزاق: المصنف ١٠: ١٥٧ - ١٦٠ بإسناد حسن، وأحمد: المسند ١: ٣٢٤، والنسائي: خصائص علي ١٩٥ - ٢٠٠.
(٤) ابن أبي شيبة: المصنف ١٥: ٣١٧ - ٣١٩، وأبو يعلى: المسند ١: ٣٦٤، والألباني: إرواء

<<  <   >  >>