للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قوم بغوا علينا فنصرنا عليهم. وفي رواية: قوم أصابتهم فتنة فعموا فيها وصموا (١). وهكذا صرَّح بأنهم مؤمنون ليسوا كفاراً ولا منافقين (٢). ونصح الأمة في التعامل معهم بقوله: "إن خالفوا إماماً عادلاً فقاتلوهم، وإن خالفوا إماماً جائراً فلا تقاتلوهم فإن لهم مقالاً" (٣).

ومما يلقي الضوء على صفات الخوارج ومستوى جدلهم وحفظهم للقرآن وقدرتهم على استحضار الشواهد منه أنه لما رجع ابن عباس إلى البصرة بعد فشل التحكيم جادله خوارج البصرة- وهم العباد أصحاب البرانس والسواري- بشدة واتهموه بالكفر "كفرت وأشركت ونددت"، فقال لهم: "انظروا أخصمكم وأجدلكم وأعلمكم بحجتكم فليتكلم"، فاختاروا عباد التغلبي، "فقام فقال: قال الله كذا وقال الله كذا، كأنما ينزع بحاجته من القرآن في سورة واحدة" وتتضح قدرة الرجل على استحضار الأدلة المفرقة في القرآن وكأنها في موضع واحد شهادة ابن عباس له: "إني أراك قارئا للقرآن عالماً بما قد فصَّلت ووصلت". ثم واجه ابن عباس الخوارج بأخطائهم: "هل علمتم أن أهل الشام سألوا القضية- أي وقف القتال برفع المصاحف والدعوة إلى التحكيم- فكرهناها وأبيناها، فلما أصابتكم الجروح وعضُّكم الأمل ومُنعتم ماء الفرات أنشأتم تطلبونها!؟ ولقد أخبرني معاوية أنه أتى بفرس .. ليهرب عليه، ثم أتاه منكم آتٍ فقال: إني تركتُ أهل العراق يموجون مثل الناس ليلة النفر بمكة" وهكذا أشار إلى أن اختلافهم وشقاقهم أضعف


(١) عبد الرزاق: المصنف ١٠: ١٥٠، وابن أبي شيبة: المصنف ١٥: ٣٣٢ بسند صحيح، والبيهقي: السنن الكبرى ٨: ١٧٤.
(٢) ابن تيمية: منهاج السنة ٥: ٢٤٣ - ٢٤٤.
(٣) ابن أبي شيبة: المصنف ١٥: ٣٢٠، وابن حجر: فتح الباري ١٢: ٣٠١.

<<  <   >  >>