ذكر الله سبحانه وتعالى أصحاب سيدنا داوود عليه السلام حين رأوا قوة جالوت وأصحابه، قال بعض منهم:{لَا طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو اللَّهِ -وهم الصابرون- كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ}(سورة البقرة) لم ترعبهم الكثرة الساحقة، ولم تذهلهم القوة الماحقة، ولم يتعللوا بعدم التكافؤ، فمضوا في طريقهم عالمين أن القوة إنما هي قوة الروح لا قوة الأشباح ...
ليس في التكليف أصعب من الصبر، فيجب على المؤمن أن يصبر على التكاليف الشرعية كالصلاة والوضوء والزكاة والصوم والحج، ويمتنع عن المحرمات والشهوات، وأن يصبر على القضاء والقدر بعدما يستعمل جميع الوسائل في دفعهما، ولهذا جعل الله الصبر فرضا على كل مسلم، ولا أفضل من الرضى به، فإذا رأى المسلم كافرا بالله قد أتاه الله المال الوفير، والجاه العريض، فيلبس الحرير والديباج، ويتمتع بالذهب والفضة، والسيارة والقصور الضخمة، والخدم وما إلى ذلك من الصحة والأولاد والعافية، وتنظر إلى رجل مسلم من أهل الدين وطلاب العلم محيطا به البلاء معوزا فقيرا مقهورا تحت ولاية ظالم جبار مسلطا عليه أنواع العذاب، فالمسلم ضعيف الإيمان، إذا قارن هذا وذلك يرى عدل الله معدوما بين هذين الرجلين وتزيده وسوسة الشيطان لأجل هذا يحتاج المؤمن إلى الصبر على ما يلقى من الضر، وعلى وسوسة إبليس لعنه الله، وكذلك يجب الصبر على تسليط الكفار على المسلمين مع المقاومة الشديدة، والتمسك القوي بأوامر الدين. الآن أستعرض الآيات القرآنية التي وردت في الصبر ومما يقوي صبر المؤمن القرآن لأنه شفاء لما في الصدور، قال تعالى في حق الكافر:{وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْمًا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ}(سورة آل عمران).