الإيمان بالغيب هو الدعامة الثانية من دعائم العقيدة الإسلامية، والإيمان بالغيب هو الدعامة في كل دين، لأن وراء هذا العالم المادي عالم آخر غيره، فمن لم يؤمن به فقد جحده، ولا يمكن أن يكون إيمان بالله من غير إيمان بالغيب، ولذلك يقول الله في أوصاف المؤمنين {الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ * وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ}. الغيب ما خرج عن متناول الحواس، وإدراك العقل، والإيمان بما يجيء من عالم الغيب، لا معتبر له إلا إذا كان مسند إلى جهة لا يتطرق إليها الكذب، وإلا كان التصديق بما يخبر به العرافون والكهنة وغيرهم ممن يدعون علم الغيب، إيمانا، وهو ليس من الإيمان في شيء، وإنما المراد بالإيمان هنا ما يخبر به رسل الله وأنبياؤه أقوامهم من أمر الآخرة التي لا علم للناس بها.
فأول صفة من صفات المتقين هي الإيمان بالغيب التي يخبر بها الرسل عليهم السلام حيث تلقوا الأخبار عن تلك الغيبيات وحيا من الله، وهم الأمناء على ما أوحى إليهم من ربهم ...
فلا إيمان لمن لا يؤمن بالله، ولا إيمان لمن لا يؤمن برسل الله، ولا إيمان لمن لا يؤمن بما يحمل رسل الله من رسالات وما يبلغون من أوامر ونواهي، وما يبلغون من أخبار، وملاك التقوى هو الإيمان، فلا تقوى لمن لا إيمان له، فإذا جاء الإيمان على تلك الصورة، كان داعية لأن يقيم الإنسان على طريق التقوى، وأن يؤهله لتلك الصفات التي وصف الله سبحانه بها المتقين، الذين يقيمون الصلاة وينفقون مما رزقهم الله، ويؤمنون بما أنزل على محمد - صلى الله عليه وسلم -، إيمانا مفصلا، وبما أنزل على رسل الله من قبله إيمانا مجملا، ثم ينتهي بهم ذلك الإيمان إلى الإيمان باليوم الآخرة، والإيمان بالملائكة وهي الأرواح المطهرة، والإيمان بكل المخلوقات المغيبة عن حسنا، والإيمان بأن هذه الحياة الدنيا هي الحياة الفانية، وما بعدها