للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[مشيئة الرب، ومشيئة العبد]

وقد يقال إذا كان الله منح العبد الحرية والإختيار فما معنى قوله: {لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ * وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} (سورة التكوير). فنقول معناها أن الإنسان لا يشاء شيئا إلا إذا كان في حدود مشيئة الله وإرادته، فمشيئة البشر ليست مشيئة مستقلة عن مشيئة الله، والله قد شاء للإنسان أن يختار أحد الطريقين: "طريق الهداية" أو "طريق الضلالة" فإذا اختار الطريق الأول في نطاق المشيئة الإلهية وإذا اختار الطريق الثاني ففي نطاقها أيضا، وكل الآيات التي جاءت، على هذا النحو فمعناها لا يختلف عما ذكرناه ..

[الهداية والإضلال]

يضل من يشاء ويهدي من يشاء، أي أن الله يضل من يشاء إضلاله، ويهدي من يشاء هدايته، وإذا كان الله يضل ويهدي، فليس للعبد حرية الإختيار، والواقع أن الهداية والإضلال نتائج لمقدمات، ومسببات لأسباب ..

فكما أن الطعام يغدي والماء يروي، والسكين تقطع والنار تحرق فكذلك هنا أسباب توصل إلى الهداية وأسباب توصل إلى الإضلال، فالهداية إنما هي تثمر عملا صالحا، والضلال إنما هو نتائج عمل خبيث، فإسناد الهداية والإضلال إلى الله من حيث أنه وضع نظام الأسباب والمسببات لا أنه أجبر الإنسان على الضلال أو الهداية ...

وحينما ترجع إلى الآيات القرآنية تجد هذا المعنى واضحا لا لبس فيه ولا غموض فالله يقول: {وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ أَنَابَ} {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا} {وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ}، فهداية الله للناس بمعنى لطفه بهم، وتوفيقهم للعمل الصالح، إنما هي ثمرة جهاد للنفس، وإنابة إلى الله، واستمساك بإرشاده ووحيه، يقول القرآن الكريم في الإضلال: {يُضِلُّ بِهِ كَثِيرًا وَيَهْدِي بِهِ كَثِيرًا وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفَاسِقِينَ * الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ

<<  <   >  >>