ومن الكلمات التي حرفت عن معناها كلمة الصبر، لقد ذكره الله في القرآن أكثر من سبعين مرة عرف الله عباده بثمراته الطيبة، وما كان له من عاقبة حسنة في الدنيا والآخرة، إنه أساس من أسس الدين وينبوع لكثير من الأخلاق الفاضلة، والصفات الحميدة، ولقد أتساءل. ما هو الصبر؟ أهو الإستسلام والخضوع وقبول النكبات والمصائب بدون مقاومة؟ أهو الركود والبلادة والإقامة على الظلم؟
كذلك يصوره الذين يحرفون الكلم عن مواضعه، وكذلك صوروه للناس، فرضي الفقير بفقره باسم الصبر ورضي المريض برضه باسم الصبر، ورضي الذليل بذله باسم الصبر، ورضي المظلوم بظلمه باسم الصبر، وقد أضلوا الشعوب فعلموها أن جور أهل الجور قضاء وقدر يجب أن يصبروا عليه، وأن ظلم أهل الظلم مظهر من مظاهر التأديب الإلهي، فعليهم أن يتقبلوه بالرضى، وأن الفقر والغنى قسمة ونصيب لا فكاك منهما ولا إرادة لأحد فيهما، وهكذا حتى ثبطوا العزائم عن العمل والسعي، وأضعفوا الهمم، واستسلم الناس للواقع، فهل هذا هو الصبر الذي عرفه القرآن وحث عليه؟ وهل يمكن أن يكون الله تعالى قد أراد هذا المعنى لما أمر عباده به وأثنى عليه، ورغب فيه، وضمن حسن عاقبته، وأعلن أنه يحب أهله، وأنه سيوفيهم أجورهم بغير حساب ...
الصبر الذي يعرفه القرآن ويأمر به هو الأخلاق الفاضلة التي تهدي إلى الأعمال الصالحة، وتتقوى به النفوس المؤمنة. الصبر هو مجاهدة النفس وحبسها عن الضجر والتبرم مع متابعة العمل والسعي، وعدم الإنكماش والإنكسار، ولذلك كان الصبر من المعاني الباطنية كالشجاعة على مكاره الجهاد صبر والجود على بذل المال صبر، والكتمان على المثيرات والأسرار صبر، إلى غير ذلك مثل العفو عند القدرة، وضبط النفس في حالة الإنفعال والغضب ...