فإذا سأل سائل عن قوله عز وجل:{فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى} والحس والمشاهدة قاضيان بأن المسلمين هم الذين قتلوا كفار قريش يوم بدر، وبأن النبي - صلى الله عليه وسلم - هو الذي رمى قبضة التراب التي أصابت أعين المشركين وكانت سببا في هزيمتهم، ولكن الآية تسند القتل والرمي الى الله، أفليس في هذا الدليل على أن العبد لا عمل له، وأن العمل لله وحده وهذه هي الحيرة دفع هذا الإعراض وهذه الآية الكريمة وردت في سورة الأنفال في معرض نهي المسلمين عن التولي يوم الزحف، فقد جاء قبلها قول الله تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفًا فَلَا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبَارَ * وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ}.
فكأن الله يقول للمؤمنين: ما الذي يحملكم على الفرار أو يدفعكم الى تولية الأدبار، والله قد كفل تأييدكم ونصركم، فاذكروا يوم بدر، وقد كنتم قلة لا تقومون لكثرة المشركين، ولكن الله أمكنكم منهم حتى قتلتم سبعين رجلا وإن قوتكم الطبيعية لا تتيح لكم هذا النصر، ولا تمكنكم من هذا القتل، فالله ربط على قلوبكم، وثبت أقدامكم حتى أظفركم بهم، وأظهركم عليهم، فلم تقتلوهم بقوتم ولكن الله قتلهم بما خولكم من أسباب النصر والغلب التي لم تكن لتتاح لكم، ثم يلتفت إلى خطاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيقول له، وحين ألقيت كفا من التراب في وجوه المشركين فأصاب التراب أعينهم جميعا لم تكن لتدرك ذلك بقوتك الطبيعية، ولكن الله تعالى هو الذي كثر ذلك التراب بمحض قدرته، وأوصله الى أعينهم حتى ثقلوا بها عن الإلتفات لمن يقاتلهم.
فإن كان النبي - صلى الله عليه وسلم - قد رمى التراب فإنه لم يكن بوسعه أن يوصله إلى أعينهم جميعا، فذلك من فضل الله وحده، كما ألقى موسى عليه السلام العصى فكانت حية تسعى، فإلقاء العصى عمل موسى ولكن قلبها حية عمل