الله تعالى وحده، وكذلك إلقاء التراب عمل النبي، ولكن توصيله الى أعين المشركين على الرغم من بعدهم عن مكان الرمي، وكثرتهم، واختلاف اتجاههم هو عمل الله تعالى، ولذلك صح أن يسند الرمي الى النبي وينفي عنه أثره، ويسند الى رب العزة.
هذا هو نظام القرآن الكريم، وهذه بلاغته، وهي كما ترون فوق النزعات والأهواء الجدلية، ووراء الفرق والمذاهب ...
تفسير قوله عز وجل:
{قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ} وقوله: {وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ} ذلك أن المنافقين والكافرين الذين كانوا بالمدينة بعد أن هاجر النبي - صلى الله عليه وسلم - إليها كانوا إذا أصابتهم حسنة: من نزول غيث، ونماء زرع، وجودة حاصل قالوا: هذه من عند الله زاعين أن الله تعالى ما أنعم عليهم إلا لكرامتهم عليه ومنزلتهم عنده. وإذا أصابتهم شدة من احتباس المطر، أو جفاف زرع قالوا هذه من عندك يا محمد، أي إنهم كانوا يتشاءمون بقدومه، ويتطيرون بدعوته، فرد الله عليهم مقالتهم الخاطئة الآثمة، وقال تعالى مخاطبا نبيه الكريم:{قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ فَمَالِ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًا} أي: أن كلا من الحسنة والسيئة من عند الله لوقوعها في ملكه على حسب ما وضع من النواميس والسنن، ومن الأسباب وارتباطها بمسبباتها، وإن هؤلاء القوم ما أتوا إلا من سوء فهمهم وقلة فقههم لما يقولون وما يسمعون: ولو أنهم كانوا على شيء من الفهم والفقه لردوا كل شيء الى سببه القريب أي الى واضع السنن ومسبب الأسباب سبحانه وتعالى ولعلموا أن السيئة لم تقع بشؤم، ولا بتأثير دعوة ولا بظهور دين.
وبعد أن بين سبحانه حقيقة الأمر في الحسنة والسيئة بالنسبة الى موضعهما وقوانين الوجود، وسنن الله تعالى فيهما، وأوضع تعالى أن كل شيء مما يحسن وقعه عند الناس أو يسوؤهم بهذا الإعتبار يضاف الى رب العزة، لأنه مسبب الأسباب، وواضع النواميس والسنن أراد سبحانه أن يبين حقيقة الأمر فيها من وجه آخر فقال: {مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ