وأجمع المسلمون على أن الناس يقومون من قبورهم لرب العالمين حفاة عراة غرلا، وتدنو منهم الشمس ويلجمهم العرق وتنصب الموازين فتوزن بها أعمال العباد، فمن ثقلت موازينه فأولائك هم المفلحون، ومن خفت موازينهم فأولئك الذين خسروا أنفسهم في جهنم خالدين) وروى مسلم عن المقداد بن الأسود رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "إذا كان يوم القيامة أدنيت الشمس من العباد حتى تكون قدر ميل أو ميلين، قال: فتصهرهم الشمس فيكونون في العرق قدر أعمالهم، منهم من يأخده إلى عقبيه، ومنهم من يأخذه إلى ركبته، ومنهم من يأخذه إلى حقويه، ومنهم من يلجمه إلجاما قال بعض العلماء: ظاهر الحديث التعميم ولكن دلت الأحاديث الأخرى على أنه مخصوص بالبعض وهم الأكثر، ويستثني - من هذا العرق- الأنبياء والشهداء ومن شاء الله، فأشدهم في العرق الكفار، ثم أصحاب الكبائر، ثم من الذين عملوا المعاصي دون الكبائر، وماتوا على ذلك، والمسلمون منهم قليلون بالنسبة للكفار.
ومن تأمل الحالة المذكورة عرف عظم الهول فيها وذلك أن النار تحف بأرض الموقف، وتدنو الشمس من الرؤوس قدر ميل، فكيف تكون حرارة تلك الأرض وماذا يرويها من العرق حتى يبلغ منها سبعين ذراعا مع أن كل واحد لا يجد إلا موضع قدمه فكيف تكون حالة هؤلاء في عرقهم مع تنوعهم فيه؟ إن هذا لمما يبهر العقول، ويدل على عظم القدرة، وعلى هذا يقتضي الإيمان بأمور الآخرة وأن ليس للعقل فيها مجال.
ولا يعترض بقياس ولا عادة وإنما يؤخذ بالقبول، ويدخل تحت الإيمان بالغيب، ومن توقف في ذلك دل على خسرانه وحرمانه ..
[إختلاف الناس عند البعث]
الناس يختلفون عند البعث إختلافا كبيرا حسب أعمالهم، فالذين صلحت أعمالهم وعقائدهم، وزكت نفوسم يكونون أكمل أجسادا وأرواحا، والذين خبثت أرواحهم، وفسدت عقائدهم يكونون أنقص أجسادا وأرواحا.