الإيمان بالقدر هو التصديق الجازم بأن كل خير وشر بقضاء الله وقدره، وأنه الفعال لما يريد، لا يكون شيء إلا بإرادته، ولا يخرج عن مشيئته، وليس في العالم شيء يخرج عن تقديره، ولا يصدر إلا عن تدبيره، ولا محيد لأحد عن القدر، ولا يتجاوز ما خط في اللوح المحفوظ، وأنه خالق أفعال العباد من الطاعات والمعاصي، ومع ذلك فقد أمر العباد ونهاهم وجعلهم مختارين لأفعالهم غير مجبورين عليها، بل هي واقعة بحسب قدرتهم، وإرادتهم يهدي من يشاء برحمته، ويضل من يشاء بحكمته، لا يسأل عما يفعل وهم يسئلون ...
وأول ما خلق الله القلم قال له: أكتب، قال: وما أكتب؟ قال: ماهو كائن إلى يوم القيامة، فما أصاب الإنسان لم يكن ليخطئه، وما أخطأه لم يكن ليصيبه رفعت الأقلام وطويت الصحف كما قال تعالى:{أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّ ذَلِكَ فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ} وقال: {مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ}(سورة الحديد). وهذا التقدير التابع لعلمه سبحانه يكون في مواضع جملة وتفصيلا فقد كتب في اللوح المحفوظ ما شاء، وإذا خلق جسد الجنين قبل نفخ الروح فيه، بعث إليه ملكا فيؤمر بأربع كلمات، فقال:"أكتب رزقه وأجله وعمله، وشقي أم سعيد" ونحو ذلك ..
الإيمان بالقدر بأن الله علم بما الخلق عاملون بعلمه القديم الذي هو موصوف به أزلا وأبدا، فالأزل القديم الذي لا نهاية له، فالأزل هو الدوام في الماضي، والأبد ما ليس له آخر، فهو الدوام في المستقبل، فالأول هو الذي لم يزل كائنا، والأبد هو الذي لا يزال كائنا، وكونه لم يزل، ولا يزال معناه دوامه وبقاؤه الذي ليس له مبتدأ ولا منتهى ..
وأن الله عالم بأعمال العباد قبل خلقهم وبجميع أحوالهم لا يغيب عن علمه شيء، فيعلم ما كان وما يكون، وما لم يكن لو كان كيف يكون،