والعلم أعم من الإرادة، وهو أصل لها، والعلوم أعم من المراد، فالعلم يتناول الموجود، والمعدوم، والواجب والممكن، وما كان وما سيكون، وما يختاره العالم وما لا يختاره. وأما الإرادة فتختص ببعض الأمور دون بعض، والخبر يطابق العلم، فكل ما يعلم يمكن الخبر به، والإنشاء يطابق الإرادة، فإن الأمر إما محبوب يؤمر به، وإما مكروه ينهى عنه، وإما ما ليس بمحبوب، ولا مكروه، فلا يؤمر به، ولا ينهى عنه ..
ومرتبة العلم من أول مراتب القدر، وقد اتفق عليها الرسل من أولهم إلى آخرهم، واتفق عليها الصحابه ومن تبعهم من الأمة، وقد كفر السلف من الصحابة، فمن بعدهم من أنكر علم الله، قال ابن عمر:"والذي يحلف به عبد الله بن عمر لو كان لأحدهم مثل أحد ذهبا، ثم أنفقه في سبيل الله ما قبله الله منه، حتى يؤمن بالقدر خيره وشرء" وكذا كلام ابن عباس، وجابر بن عبد الله، وواثلة بن الاسقع وغيرهم من الصحابة والتابعين لهم بإحسان وسائر أئمة الإسلام، حتى قال فيهم الأئمة كمالك والشافعي، وأحمد بن حنبل وغيرهم إن المنكرين لعلم الله القديم يكفرون. فإن الله سبحانه وتعالى علم أهل الجنة من أهل النار قبيح أن يعملوا الأعمال، وهذا حق يجب الإيمان به، بل نص الأئمة كمالك والشافعي، وأحمد أن من جحد هذا، فقد كفر، بل يجب الإيمان به، فإن الله علم ما سيكون قبل أن يكون. وفي الصحيح قالوا يا رسول الله علم الله أهل الجنة من أهل النار، قال: نعم، قيل: فيم العمل؟ قال:"إعملوا فكلكم ميسر لما خلق له" وأن الله علم الأشياء كما هي، وقد جعل لها أسبابا تكون بها، وعلم أنها تكون بتلك الأسباب، فلا بد من الأسباب التي قد علمها الله سبحانه وتعالى من الدعاء، والسؤال وغيره ملا ينال العبد شيئا إلا ما قدره الله من جميع الأسباب، والله خالق ذلك الشيئ، وخالق الأسباب، ولهذا قيل الإلتفات إلى الأسباب شرك في التوحيد وترك الأسباب نقص في العقل، والإعراض عنها بالكلية قدح في الشرع، ومجرد الأسباب لا توجب حصول