نتكلم عن الشر {مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ}(ما) هنا موصولة ليس إلا. والشر مسند في الآية إلى المخلوق المفعول لا إلى خلق الرب الذي هو فعله وتكوينه، فإنه لا شر فيه بوجه ما. فإن الشر لا يدخل في شيء من صفاته، ولا في أفعاله، كما لا يلحق ذاته تبارك وتعالى فإن ذاته لها الكمال المطلق، الذي لا نقص فيه بوجه من الوجوه، وأوصافه كذلك لها الكمال المطلق والجلال التام، ولا عيب فيها ولا نقص بوجه ما، وكذلك أفعاله كلها خيرات محضة، لا شر فيها أصلا، ولو فعل الشر سبحانه لاشتق له منه اسما، ولم تكن أسماؤه كلها حسنى ولعاد إليه منه حكم، تعالى ربنا وتقدس عن ذلك، ولكنه تعالى يلهم النفس البشرية خيرها وشرها ليمكنها بعد ذلك المفاضلة والاختيار في صراع الإيمان والضلالة {وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا} وما يفعله الله سبحانه وتعالى من العدل بعباده، وعقوبة من يستحق العقوبة منهم هو خير محض، إذ هو محض العدل والحكمة، وإنما يكون بالنسبة إلى العباد، فالشر وقع في تعلقه بهم، وقيامه بهم، لا في فعله القائم به تعالى، ونحن لا ننكر أن الشر يكون في مفعولاته المنفصلة، فإنه خالق الخير والشر وملهمهما النفس إعدادا للتكليف.
وينبغي أن نعرف جيدا: أن ما هو شر، أو متضمن للشر فإنه لا يكون إلا مفعولا منفصلا، لا يكون لله تعالى، ولا فعلا من أفعاله.
ذلك أن مقياس الخير والشر مقياس نسبي معياري له دائما وجهان، فالشر الذي ينزل على فرد واحد في شكل عقوبة مثلا يحقق خيرا عميما للمجموعة التي يعيش فيها ذلك الواحد، ويحقق له هو نفسه نجاة من النار.
مثال: إن السارق إذا قطعت يده فقطعها شر بالنسبة إليه، وخير محض بالنسبة إلى عموم الناس لما فيه من حفظ أموالهم، ودفع الضرر عنهم، وخير بالنسبة إلى متولي القطع أمرا وحكما، لما في ذلك من الإحسان إلى عبيده عموما، بإتلاف هذا العضو المؤذي لهم المضر بهم، فهو محمود على حكمه