للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[البحث عن معرفة الله سبحانه وتعالى]

هو علم أصول الدين وهو أشرف العلوم، وهو الفقه الأكبر بالنسبة إلى فقه الفروع وحاجة العباد إليه فوق كل حاجة، لأنه لا حياة للقلوب إلا بمعرفة ربها وبأسمائه الحسنى وبصفاته وأفعاله، ومن المحال أن تستقل العقول بمعرفة ربها على التفصيل، ولهذا بعث الله الرسل معرفين به وداعين إليه، ولمن أجابهم مبشرين ولمن خالفهم منذرين ... ومن الأسباب الموصلة إلى معرفته تعالى هو هذا الوجود الذي تمخر بنا سفينة الحياة عبابه، وتنقلنا بين أغواره وشطآنه، وتتدافع بنا في سكونه واضطرابه. هذا الوجود أغرى الإنسان منذ استهل في الحياة بالنظر إليه، والتأمل فيه والبحث عن أسراره الكامنة في كل كائن من كائنات الوجود، مع أن الوجود، كتاب يستطيع كل إنسان أن ينظر فيه، وأن يقلب صفحاته إلا أن كثيرا من الناس يمرون بآيات هذا الكون دون أن يصل شيء منها إلى عقولهم، ودون أن تحرك فيهم شعورا، وتثير عاطفة، قال تعالى: {وَكَأَيِّنْ مِنْ آيَةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ} (سورة يوسف). وقد رأى المعري أن الحياة حين تدب في الكائن الحي تكون أشبه بالدخان، ثم تشتد فتكون نارا، ثم تخمد فتصير رمادا هكذا يقول: تبدأ ضئيلة خافتة، ثم تقوى شيئا فشيئا حتى تبلغ غايتها، ثم ينتهي أمرها إلى الخمود فتكون رمادا ...

في هذا السبيل حشدت الإنسانية كل ما تملك من قوى الإدراك لكشف الطريق إلى تلك الحقيقة. كانت المهمة الأولى رسالات الرسل، ودعوات الأنبياء، فما كانت تلك الرسالات إلا تصحيحا لعقيدة الناس في الإله أو شرحا لها في المحصول الذي خلفه العلماء في مختلف الأمم في جميع الأجيال من المذاهب والأراء التي تدور حول الإلهيات وما يتصل بها.

وسائل البحث عن الله سبحانه وتعالى العقل، فهو الرائد بمسالك الطريق الدالة على الله ... وما الإنسان إلا بهذا العقل الذي اختصه الله به

<<  <   >  >>