وإذا كانت دعوات الأنبياء رحمات وبركات على الناس في أجيالها وأوطانها، فإن رسالة محمد - صلى الله عليه وسلم - رحمة شاملة، وبركة عامة للناس جميعا من كل أمة، ومن كل جنس على مدى الأيام والدهور ...
أنها رسالة لا تخص أمة من الأمم، ولا تنتهي عند زمن من الأزمان، فهي ليست للعرب وحدهم وليست لعصر النبوة وحده. فما العرب فيها إلا لسانها وترجمانها وما عصر النبوة إلا مطلعها، ومجلى أنوارها، ثم هي بعد ذلك رحمة مشاعة في الناس كلهم وحظ مقسوم لجميع الأزمان {قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ}(سورة الأعراف) ومن أول آية نزلت من القرآن شعر النبي أنه رسول الله إلى الناس كافة إذ كانت الآية شارحة لقضية الإنسانية، من حيث أنها مخلوقة من معدن واحد، فليس لأمة ولا لشعب، فضل أو امتياز في الأصل والنشأة، ولا في الدم، أو الوطن، ولا في الزمن السابق أو اللاحق {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ} فهذه أول آية يتلقاها الرسول من السماء وتفتح بها رسالته، الله هو الخالق لكل شيء، والانسان هو من مخلوقات الله، قد خلق (الانسان) من علق ...
هذا هو عنوان الرسالة المحمدية: الانسان .. الانسان مطلقا في أي زمان، وفي أي مكان ...
القرآن الكريم كله في أحكامه وتشريعاته، وفي أمره ونواهيه وفي نصائحه ووصاياه يخاطب الناس جميعا، ويدعو الناس جميعا بهذه الكلمة العامة الشاملة {يَا أَيُّهَا النَّاسُ} أو {يَا بَنِي آدَمَ} أو {يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ} ولم يختص العرب وحدهم أو قريشا بخطاب أبدا، فلم يقل يا أيها العرب، أو يا بني إسماعيل، أو يا بني عدنان وقحطان. كما كان ذلك شأن أنبياء الله ورسله في أقوامهم، ومن أرسلوا إليهم، فكان كل نبي