ومسيئهم بإساءته، هذه حقيقة الربوبية وذلك لا يتم إلا بالرسالة والنبوة.
وكون الله رحمانا رحيما، فإن كمال رحمته: أن يعرف عباده نفسه وصفاته ويدلهم على ما يقربهم إليه، ويباعدهم منه ويثبتهم على طاعته، ويجزيهم بالحسنى، وذلك لا يتم إلا بالرسالة والنبوة، فكانت رحمته مقتضية لها ولله سبحانه وتعالى ملك، والملك يقتضي التصرف بالقول كما أن الملك يقتضي التصرف بالفعل، فالملك هو المتصرف بأمره وقوله، فتنفذ أوامره ومراسيمه حيث شاء، والله له الملك فهو المتصرف في خلقه بالقول والفعل وتصرفه نوعان: تصرفه بكلماته الكونية {كُنْ فَيَكُونُ} وتصرف بكلماته الدينية، ولهذا أرسل رسله إلى الناس ليعرفوهم ربوبيته وملائكته والايمان بهم لأنهم رسل الله في خلقه ...
وهناك يوم الدين، وهو يوم الجزاء الذي يدين الله فيه العباد بأعمالهم خيرا وشرا، وهذا لا يكون إلا بعد ثبوت الرسالة والنبوة وقيام الحجة التي بسببها يدان المطيع والعاصي ...
وأن الله سبحانه لا يعبد إلا بما يحبه ويرضاه، ولا سبيل للخلق إلى معرفة ما يحبه ويرضاه إلا من جهة رسله، فانكار رسله أنكارا لكونه معبودا، وأنه هاد إلى صراط مستقيم وهو معرفة الحق والعمل به، وهو الطريق الوحيد الموصل إلى طاعة الله، ولا يعلم ذلك إلا من جهة الرسل.
والله سبحانه وتعالى منعم على أهل الهداية، فإن انعامه عليهم إنما تم بإرسال الرسل إليهم، وجعلهم قابلين للرسالة مستجيبين لدعوته، وبذلك ذكرهم منته عليهم وإنعامه في كتابه.
انقسام خلقه إلى منعم عليهم ومغضوب عليهم وضالين فإن هذا الانقسام ضروري بحسب معرفتهم للحق والعمل به: إلى عالم به عامل بموجبه وهم أهل النعمة، وعالم به معاند له، وهم أهل الغضب، وجاهل به، وهم أهل الضالين، وهذا الانقسام إنما نشأ بعد الرسل فلولا الرسل لكانت أمة واحدة، فانقسامهم إلى هذه الأقسام مستحيل بدون الرسالة، وهذا الانقسام ضروري بحسب الواقع فالرسالة ضرورية ..